responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 91
الْجَائِعَ. ثُمَّ لِمَا فِي الصَّوْمِ مِنْ قَهْرِ النَّفْسِ وَإِذْلَالِهَا وَكَسْرِ الشَّهْوَةِ الْمُسْتَوْلِيَةِ عَلَيْهَا وَإِشْعَارِ النَّفْسِ مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى يَسِيرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
وَالْمُحْتَاجُ إلَى الشَّيْءِ ذَلِيلٌ بِهِ. وَبِهَذَا احْتَجَّ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَنْ اتَّخَذَ عِيسَى - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأُمَّهُ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِهِ، فَقَالَ: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75] . فَجَعَلَ احْتِيَاجَهُمَا إلَى الطَّعَامِ نَقْصًا فِيهِمَا عَنْ أَنْ يَكُونَا إلَهَيْنِ. وَقَدْ وَصَفَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ نَقْصَ الْإِنْسَانِ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَقَالَ: مِسْكِينُ ابْنُ آدَمَ مَحْتُومُ الْأَجَلِ، مَكْتُومُ الْأَمَلِ، مَسْتُورُ الْعِلَلِ. يَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ وَيَنْظُرُ بِشَحْمٍ، وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ. أَسِيرُ جُوعِهِ، صَرِيعُ شِبَعِهِ تُؤْذِيهِ الْبَقَّةُ، وَتُنْتِنُهُ الْعَرَقَةُ وَتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ. لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا، وَلَا نَفْعًا وَلَا مَوْتًا، وَلَا حَيَاةً، وَلَا نُشُورًا.
فَانْظُرْ إلَى لُطْفِهِ بِنَا، فِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ الصِّيَامِ عَلَيْنَا. كَيْفَ أَيْقَظَ الْعُقُولَ لَهُ، وَقَدْ كَانَتْ عَنْهُ غَافِلَةً أَوْ مُتَغَافِلَةً. وَنَفَعَ النُّفُوسَ بِهِ وَلَمْ تَكُنْ مُنْتَفِعَةً وَلَا نَافِعَةً.
ثُمَّ فَرَضَ زَكَوَاتِ الْأَمْوَالِ وَقَدَّمَهَا عَلَى فَرْضِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ فِي الْحَجِّ مَعَ إنْفَاقِ الْمَالِ سَفَرًا شَاقًّا، فَكَانَتْ النَّفْسُ إلَى الزَّكَاةِ أَسْرَعَ إجَابَةً مِنْهَا إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ فِي إيجَابِهَا مُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ، وَمَعُونَةً لِذَوِي الْحَاجَاتِ، تَكُفُّهُمْ عَنْ الْبَغْضَاءِ وَتَمْنَعُهُمْ مِنْ التَّقَاطُعِ وَتَبْعَثُهُمْ عَلَى التَّوَاصُلِ؛ لِأَنَّ الْآمِلَ وَصُولٌ وَالرَّاجِيَ هَائِبٌ، وَإِذَا زَالَ الْأَمَلُ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ وَاشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ وَقَعَتْ الْبَغْضَاءُ وَاشْتَدَّ الْحَسَدُ فَحَدَثَ التَّقَاطُعُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْفُقَهَاءِ، وَوَقَعَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْأَغْنِيَاءِ، حَتَّى تُفْضِيَ إلَى التَّغَالُبِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالتَّغْرِيرِ بِالنُّفُوسِ.
هَذَا مَعَ مَا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ تَمْرِينِ النَّفْسِ عَلَى السَّمَاحَةِ الْمَحْمُودَةِ وَمُجَانَبَةِ الشُّحِّ الْمَذْمُومِ؛ لِأَنَّ السَّمَاحَةَ تَبْعَثُ عَلَى أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَالشُّحَّ يَصُدُّ عَنْهَا. وَمَا يَبْعَثُ عَلَى أَدَاءِ الْحُقُوقِ فَأَجْدَرُ بِهِ حَمْدًا، وَمَا صَدَّ عَنْهَا فَأَخْلِقْ بِهِ ذَمًّا. وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 91
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست