responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التبصرة نویسنده : ابن الجوزي    جلد : 1  صفحه : 503
(وَقَدْ قَامُوا فَلا يَهْجَعُ ... مَنْ قَدْ ذَاقَ مَا ذَاقُوا)
قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: هَجَمْنَا مَرَّةً عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْعُبَّادِ فِي بَعْضِ السَّوَاحِلِ فَتَفَرَّقُوا حِينَ رَأَوْنَا فَارْتَقَيْنَا عَلَى تِلْكَ الْجَزِيرَةِ وَبِتْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَمَا كُنَّا نَسْمَعُ عَامَّةَ اللَّيْلِ إِلا الصُّرَاخَ وَالنُّفُورَ مِنَ النَّارِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا طَلَبْنَاهُمْ وَتَبِعْنَا آثَارَهُمْ فَلَمْ نر أحداً!
نَفِذَتْ أَبْصَارُ بَصَائِرِهِمْ بِنُورِ الْغَيْبِ إِلَى مُشَاهَدَةِ مَوْصُوفِ الْوَعْدِ، تَعَلَّقَتْ أَكُفُّ الآمَالِ بِمَا عَايَنَتْ نَوَاظِرُ الْقُلُوبِ، فَأَخْمَصُوا الْبُطُونَ وَغَضُّوا الْجُفُونَ، وَأَهْمَلُوا الدُّمُوعَ عَلَى تَمَلْمُلِ مَلْسُوعٍ، لَوْ رَأَيْتَهُمْ مِنْ خَوْفِ الْبَيْنِ عَلَى أَرْجَاءِ الرَّجَا، الدُّمُوعُ كَالسَّيْلِ وَاللَّيْلُ قَدْ دَجَا، ذَكَرُوا ظُلْمَ النُّفُوسِ وَالظَّلامُ قَدْ سَجَا، فَمَالَ الْقَلْبُ إِلَى الْيَأْسِ بِفَتْوَى الْحِجَا، فَهَبَّ عَلَيْهِمْ نَسِيمُ الظَّنِّ فَرَجًا فَرَجًا.
(وَقَفْنَا فَمِنْ بَاكٍ أَجَابَتْ دُمُوعُهُ ... وَمُعْتَصِمٍ بِالصَّبْرِ لم يملك الصبرا)
(ومن سائر أَجْفَانَهُ بِيَمِينِهِ ... وَمُلْقٍ عَلَى أَحْشَائِهِ يَدَهُ الْيُسْرَى)
(وَمِنْ طَائِشٍ لَمْ يُسْعِدِ الدَّمْعُ وَجْدَهُ ... وَشَرُّ البكا ما استنفد الأدمع العزرا)
(وقد ملقت خوص الركاب لبيننا ... فلم تستطن ضَعْفًا لِشَارِدِهَا زَجْرَا)
قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: لَقِيتُ غُلامًا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ يَمْشِي وَحْدَهُ فَقُلْتُ لَهُ: مَا مَعَكَ مُؤْنِسٌ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي؟ قُلْتُ: أَمَا مَعَكَ زَادٌ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: الإِخْلاصُ وَالتَّوْحِيدُ وَالإِيمَانُ وَالتَّوَكُّلُ. قُلْتُ: هَلْ لَكَ في مرافقتي؟ فقال: الرفيق يشغل على اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلا أُحِبُّ أَنْ أُرَافِقَ مَنْ يَشْغَلُنِي عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ. قُلْتُ أَمَا تَسْتَوْحِشُ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ؟ قَالَ: إِنَّ الأُنْسَ بِاللَّهِ قَطَعَ عَنِّي كُلَّ وَحْشَةٍ، فَلَوْ كُنْتُ بَيْنَ السِّبَاعِ مَا خِفْتُهَا. قُلْتُ: أَلَكَ
حَاجَةٌ؛ قَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَيْتَنِي فَلا تُكَلِّمْنِي فَقُلْتُ: ادْعُ لِي. قَالَ: حَجَبَ اللَّهُ طَرْفَكَ عَنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَأَلْهَمَ قَلْبَكَ الْفِكْرَ فِيمَا يُرْضِيهِ. قُلْتُ: حَبِيبِي أَيْنَ أَلْقَاكَ؟ قَالَ: أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِلِقَائِي، وَأَمَّا الآخِرَةَ فإنها تجمع الْمُتَّقِينَ فَإِنْ طَلَبْتَنِي هُنَاكَ فَاطْلُبْنِي فِي زُمْرَةِ النَّاظِرِينَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قُلْتُ: وَكَيْفَ عَلِمْتَ؟ قَالَ: بِغَضِّ طَرْفِي لَهُ

نام کتاب : التبصرة نویسنده : ابن الجوزي    جلد : 1  صفحه : 503
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست