نام کتاب : اللطائف نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 30
أيها المبتدىء: عليك بالعزلة، فإنها أصل العمل، تضم شتات قلبك، وتحفظ ما لفقت من خصال يقظتك، فإن حالك كمرقعة بالية، إن تحركت فيها تمزقت. إذا جرى القدر باجتماع العقل واليقين في بيت الفكر أخذ في توبيخ الأمارة، فإن كان زمن المرض قد انقضى، أثر اللوم ثوران العزيمة إلى قطع القواطع، فحينئذ تكتب النفس بكف الهجر طلاق الهوى، وتتجلبب زرمانقة الزهد، وتترهبن في دير العزوف، فتستوحش من أهل الدنيا شغلا بصحبة " أنا جليس من ذكرني ".
يا من قد ضاع " يوسف " قلبه، جز بخيم القوم لعلك تجد ريح " يوسف " قف في السحر على أقدام الذل وقل (يا أَيُها العَزيزُ مَسَنا وَأَهلَنا الضُرُّ) يا مخذول التواني، يا مجدوع الأماني، غرق مركب عمرك في بحر الكسل، ويحك: من لازم المنام لم ير إلا الأحلام متى تفتح عين عزمك؟ فيا طوول هذا الكرى، أما تستنشق ريح السحر؟ أما تجد برد هواء الفجر؟ أما تعاين ضوء الشيب؟ أما يؤلمك عتاب الدهر؟.
تَنَبَهي يا عَذباتَ الرَندِ ... كَم ذا الكَرى هَبَّ نَسيمُ نَجدِ
أُعَلِلُ القَلبَ بِبانِ رامَة ... وَما يَنوبُ غُصنٌ عَنِ قَدِّ
وَاقتَضى النَوحُ حَماماتِِ اللَوى ... هَيهاتَ ما عِندَ اللَوى عِندي
رحل ركب المحبة على أكوار العزائم، فصبحوا منزل الوصل وأنت نائم بعد يا " عمر " العزم: إلى كم في دار الخيزران، يا " فضيل " المحبة متى تكسر سيف الفضول؟ يا " ابن أدهم " الجد: دخلت شهور الحج فما قعودك " ببلخ ".
هَل لَكَ بِالنازِلينَ أَرضَ مِنىً ... يا عِلمُ الشَوقِ بَعدَنا عِلمُ
؟ الفصل التاسع والأربعون
الذين سبقت لهم منا الحسنى
إذا وقت عزيمة الإنابة في قلب من سبقت لهم الحسنى قلعت قواعد الهوى من مشتاة الأمل، ركب " إبراهيم " يوما للصيد، وقد نصب له فخ (يَهديهِم رَبُهُم) حوله حب (يُحِبُهُم) فصيد قبل أن يصيد.
عبر ترجمان الهوى عن لغة " سَبَقَت لَهُم) فقال: ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، رماه الطبيب وقت انقضاء المرض، فسقاه دواء مفردا، فنفض به قولنج الهوى، رماه بسهم مواعظ ألقته عن قربوسه وبؤسه، لاحت له نار الهدى، فصاح في جنود الهوى: (إني آَنَستُ ناراً) فتجلى له انيس تجدني فاستحضره، فغاب عن وجوده، فلما أفاق من صعقة وجده، وقد دك طور نفسه، صاح لسان الإنابة بعبارة الإصابة (تُبتُ إِليكَ) فلما خرج عن ديار الغفلة أومأت اليقظة إلى الهوى:
سَلامٌ عَلى اللَذاتِ وَاللَهوِ وَالصِبا ... سَلامَ وَداعٍ لا سَلامُ قُدومِ
يا " ابن أدهم ": لو عدت إلى قصرك، فتعبدت فيه، قال العزم: كلا، ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى.
أَحَنُّ إِلى الرَملِ اليَماني صِبابَةٌ ... وَهَذا لَعَمري لَو رَضيتُ كَثيبِ
وَلَو أَنَّ ما بي بالحَصى فَلَقُ الحَصى ... وَبالرِيحِ لَم يُسمَع لَهُنّ هُبوبُ
هام في بيداء وجده، فاستراح من عذول أمرضته التخم، فاستلذ طعم طعام الجوع، وحمل جلده على ضعف جلده خشونة بالصوف.
ظَفِرتُم بِكِتمانِ اللِسانِ فَمَن لَكُم ... بِكِتمانِ عَينٍ دَمعُها يَذرِفُ
حَمَلتُم جِبالَ الحُبِّ فَوقي وَإِنَني ... لأَعجَزُ عَن حَملِ القَميصِ وَأَضعُفُ
لاح له جمال الآخرة من خلال سجف (لَنَهدِيَنّهُم) فتمكن الحب من حبة القلب، فقام يسعى في جمع المهر من كسب الفقر.
طال عليه انتظار اللقاء، فصار ناطور البساتين.
تقاضته المحبة بباقي دينها، فسلم الروح في الغربة، هذا ثمن الجنة، فتأخر يا مفلس. الفصل الخمسون
الحزم مطية النجاح
إخواني: في الأعداء كثرة، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، قاتلوا بسلاح العزائم (حَتى لا تَكونَ فِتنَة) فمتى حمل عليهم فارس حد (غُلِبوا هُنالِكَ وَانقَلَبوا صاغِرين) إخواني: من تلمح حلاوة العواقب نسي مرارة الصبر.
الغاية أول في التقدير، آخر في الوجود، مبدأ في نظر العقل، منتهى في منازل الوصول.
نام کتاب : اللطائف نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 30