الأمور، ولذا فإنّ لسانه رطبٌ من ذكر الله، يُكثر من قول "ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله"، فلا تزال حديقتُه في نماء، ولا تزال نخيله في كثرة وازدياد بمرأى جميل ومظهر حسن تؤتي من أنواع الثمار وأطايب الأكل كلَّ حين بإذن ربِّه، ثم هو عظيم الحمد لربِّه، كثيرُ الثناء عليه، عالمٌ بأنَّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
فهذه ثلاثة أمثلة يتّضح من خلالها تنوّعُ مناهج المشتغلين بالإصلاح وتباينُ طرائقهم، ولا بأس من إيضاح أمرٍ غير خافٍ على المتأمِّل، وهو أنَّ المثال الأول مضروب لحال المعتزلة والخوارج في التعامل مع عباد الله المؤمنين، فهم أهل شدّةٍ وغِلظةٍ وفضاضةٍ، ومِن معتقداتهم الفاسدة الحكمُ على مرتكب الكبيرة بالخروج من الإيمان والخلود يوم القيامة في النيران، والمثال الثاني مضروب للمرجئة في تعاملهم مع المؤمنين، فهم أهل ارتخاء وخَوَر، وقلّة مبالاة بأمر المؤمنين، وقد نشأ هذا فيهم بسبب شؤم معتقدهم حيث يرون أنَّ الأعمال ليست من الإيمان، ثم هم متفاوتون في ذلك تفاوتاً عظيماً حتى إنَّ منهم من صار إلى القول بأنَّ الإيمان لا يضرّ معه ذنبٌ مهما عظُم، كما أنَّ الكفرَ لا تنفع معه طاعةٌ، وأما المثال الثالث فهو مضروب لأهل السنة والجماعة والحق والاستقامة أهل المنهج العدل الوسط، وخيرُ الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلوّ المعتدين، ومنهج أهل السنة مع العصاة من أهل الملَّة هو أنَّهم لا يكفِّرونهم ولا يخرجونهم بذلك من الدين كالخوارج والمعتزلة، ولا يحكمون بكمال إيمانهم وتمامه كالمرجئة، بل يقولون: هم مؤمنون ناقصوا الإيمان، فيحبّونهم على ما عندهم من الإيمان، ويُبغضونهم على ما عندهم من العصيان، ويرحمونهم وينصحون لهم ويحرصون على استصلاحهم وهدايتهم بأرفق السُبل وأحسن الأساليب في حدود قواعد الشريعة وأصولها المعلومة.
وبهذا تمّت هذه التأملات، والله أعلم، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.