غير أن غزوة بدر كانت البداية الحقيقية للجهاد بالسلاح، الذي خاضه المسلمون ضد أعداء الدعوة الإسلامية، وليس يعنينا هنا أن نسرد عليكم تاريخ هذه الغزوة المباركة، فأحداث هذا التاريخ يطول عرضها، ولاشك أن المسلم الذي يرد المسجد ملم بعض الإلمام بتفاصيل هذه الآيات، لأنها جزء من بناء دينه المتين، وفصل من فصول التاريخ العريق لأمتنا الإسلامية المجيدة.
وإنما الذي يعنينا هو أن نقف بكم على المعالم البارزة في ذلك التاريخ، وهي المعالم التي تحمل في طياتها دروسًا في الكفاح، وعظات تفيدنا في حاضرنا، الذي هو نقطة انطلاق إلى مستقبلنا.
وأول درس نتلقاه من بدر هو الدرس الذي حدثنا عنه الله سبحانه في قوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123] فهو يمتن على النبي وصحابته بنعمة النصر التي أنعم عليهم بها، برغم أنهم لم يكونوا متهيئين له، ولا أعدوا له عدته، بل إنهم لم يكونوا على استعداد نفسي لخوض معركة، بل لقد كانوا يتمنون ألا يلقوا حربًا، ولا يخوضوا معركة، وكان فريق منهم يكره ذلك كراهية شديدة، وكل ما كانوا يريدون هو أن يظفروا بالغنيمة التي خرجوا في مطاردتها، وذلك ما حدثتنا عنه الآيات الكريمة: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ - يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ - وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ - لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 5 - 8] [1] . [1] سورة الأنفال: من 5 إلى 8.