والفرق بينهما، مع ذلك، هو أن رجال اللاهوت يجدون في الكمال الإلهي ضمانًا واقعيًّا ضد الأوامر الظالمة، فأي ضمان نجده في هذا المفهوم التجريدي للعقل المتسامي، اللهم إلا إذا طابقنا بينه وبين العقل الإلهي؟
ولا يخطئنَّ أحد في إدراك فكرتنا، فنحن نميز في الشكلية الكانتية جوانب كثيرة، ما دامت تستخدم قانون العقل المحض في نواح متعددة، فهذا القانون مبدأ موضوعي، يحدد السلوك وموضوعاته: "الخير والشر"، وهو في الوقت ذاته مبدأ شخصي "دافع" يوجه الإرادة نحو الطاعة[1].
ونحن نميل بالنسبة إلى هذه النقطة الأخيرة إلى ألا نثير أية صعوبة، بل على العكس من ذلك، نحن نعترف بأن الشكل الصرف للقانون قادر قدرة كاملة على أن يؤثر في الضمير الأخلاقي. فأداء المرء للواجب؛ لأنه واجب، دون أن يبالي بالخير الأخلاقي الذي يستهدفه -هو تعريف للإرادة المخلصة بإطلاق.
ولسوف نبين[2] أن ذلك هو المثل الأعلى للأخلاق القرآنية؛ فالمرء لا يسأل طبيبه الذي يثق به عن أوامره؛ لأن المناقشة هنا هي الارتياب، فهل الأمر كذلك فيما يتصل -لا بالسلوك- بل بالحكم والتقدير، والأمر المفروض؟ وهل يستطيع الشكل الخارجي للقانون بعامة أن يقوم بدور مبدأ تشريع للخير والشر؟
إن القول بأن فكرة الإلزام وحدها تكفي لإعطائنا دليلًا إيجابيًّا على أفضل الطرق للسلوك -قول يدهشنا؛ فإن العقل الذي يأمر بالخضوع لقانون ما- ربما يكون متحكمًا ظالمًا، وما كان له أن يكون عقلًا، إذا لم [1] kant: crit. P 79. [2] انظر فيما بعد: الفصل الرابع، فقرة 2-أ.