مطلقًا من أن نطابقها مع الواقع، وإذا كان هذا الواقع لا يحتوي شيئًا زائدًا، ولا يقدم لنا جانبًا جديدًا -فإن العالم سوف يبلغ مرحلة المتماثل المبهم، سوف يكون بلا حياة، بلا تاريخ، بلا أبعاد.
ولكن في مقابل ذلك، إذا لم يكن هنالك من حقيقة مكتسبة، ولا قانون ثابت، فإن العقل سوف يتوقف عن أن يكون عقلًا، سوف يفقد وحدته البنائية، سوف يئول إلى هباء، ولن تكون له أدنى سيطرة على الطبيعة.
وفي مقابل ذلك، من وجهة نظر عملية -لو كان يجب على العالم أن يستأنف دائمًا من البداية، فلن يكون التقدم ممكنًا، ولن يتم مطلقًا بناء صرح الحقيقة.
وإنما هو لقاء الفكرة بالموضوع، لقاء الشكل بالمادة، لقاء الفرض بالتجربة؛ لكي تنفجر شرارة المعرفة الحقة.
وذلكم هو شأن الأخلاقية ... فلا الصيغة المجردة لقاعدة عامة، ولا التحليل الدقيق للحالة الخاصة -معزولًا كلاهما عن الآخر- يكفي لهداية إرادتنا، وإنما هو كما قررنا منذ قليل -تركيب "المثل" الشامل، القادم من "أعلى" مع الواقع الراهن، الذي ليس سوى إيضاح وبيان، حتى يوجد الدليل الممتاز لضميرنا. فبين المثل الأعلى والواقع، بين المطلق والنسبي، يوجد الضمير الإنساني علامة توحيد، يجب أن يستمر في التقريب بين هذين الطرفين، بأن يؤكد رابطة ما بينهما في صورة العمل الذي يولد من اقترانهما السعيد، ويرتدي هذه الصفة المزدوجة التي يمثلها في وقت واحد: ثبات القانون الأزلي، وجدّة الإبداع الفني.
أليس هذا هو نفس إدراك "التكليف" الذي يستخلص من المفاهيم القرآنية؟ ولنستمع إلى القرآن وهو يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1،
1 التغابن 16.