وإليك مثالًا على هذا، فالله سبحانه يقول لي "ما معناه": افعل هذا إلا المحرم، ولا تفعل هذا، إلا إذا كنت مكرهًا بضرورة، ثم إنه يحصنني ضد الدوافع الخفية التي يمكن أن تحملني على مخالفة الأمر، تحت ستار ضرورة زائفة: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [1].
فهل أستطيع في هذه الظروف أن أبرئ نفسي، وأنا أعتبر مخالفة بسيطة كأنها محرم؟ أم حين أرى التخويف الهين من باب الإكراه، على حين أعلم يقينًا أن هذا ليس ما أراده الله سبحانه بهذه الكلمات؟
ولا ريب أن الله عز وجل لم يجبني دائمًا بصراحة في الحالات المشتبهة، وهو لا يوحي إلينا أيضًا، فأمامنا جميعًا نفس الحل، إيجابًا وسلبًا، ولدي دائمًا فرص لأرتكب خطأ في التفسير، أو في التحديد.
وهذه الاحتمالية نتيجة طبيعية لظرفي الإنساني، وللحرية التي أتاحها لي في هذا الظرف نفسه.
والأمر الجوهري بالنسبة لي، كمؤمن، هو أن أبذل جهدي في حال الالتباس، وأن أميز، وأتبع، بأمانة وإخلاص، ما يمكن أن يكون من أمر الله، تبعًا لمجموع تعاليمه. ولو كان الحل الذي اجتهدت فيه واخترته منحرفًا، فلن أكون آثمًا، متى ما بذلت جهدي الضروري، الذي يصدر عني، لإضاءة طريقي، والله يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [2].
فأما أن كل فرد، في الحالات المشتبهة، ملزم بأن يرجع إلى ضميره، [1] المائدة: 3. [2] الأحزاب: 5.