responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 187
ولقد سبق أن قررنا أننا لا نميل إلى الفكرة الشائعة لدى المعتزلة، فهذا النوع من الاختيار المتعسف يجب في كل حال أن يستبعد في موضوعنا؛ لا لأنه أدنى درجات الحرية فحسب، على ما قال ديكارت، ولكن لأننا نرى أن الإرادة اللامبالية هي إرادة ناقصة، فهي ليست سوى نصف إرادة، والنصف الآخر آلية وصدفة. فأنا عندما أقف في الصباح أمام أزياء كثيرة، كلها لائق، ومناسب للموسم -أجدني في لحظة اختيار محير، ولكني تحت ضغط ساعة الرحيل أعزم على اختيار واحد، أيًّا كان, إن إرادتي لم تتصور هذا الزي إلا مع غض النظر عن خصائصه، ناظرة إليه على أنه نموذج لفكرة عامة لم تحرم منها النماذج الأخرى. إن كل ما أحرص عليه هو أن آخذ زينتي باحتشام قبل الخروج، وهذا الجانب من عملي هو بكل تأكيد إرادي، وله علته. ولكني من الناحية التفصيلية عندما أقول: "سواء على هذا أو ذاك" أرفع يدي تلقائيًّا، ولا يكون موضوع الاختيار هو ما أضعه أمامي.
ويختلف الأمر عن ذلك في مجال الأخلاق، ففي هذا المجال تكون الإرادة دائمًا مانعة. فهي سلبية وإيجابية في آن واحد. إذ إنني حين أرغب في هذا لا أرغب في ذاك، وهو ما يقطع أساسًا بافتراض باعث، أيًّا كان: "منفعة" أو "واجب". والأمر كذلك في كل اختيار إرادي بالمعنى الصحيح. ولقد فطرت النفس على ألا تتم أي اختيار دون أن تجد فيه تناسبًا معينًا بين الإجراء الذي تتخذه، والهدف الذي تبلغه، "فالإرادة" بحسب تعريفها، "هي السعي وراء الغاية".
إن اعتبار الاستقلال خاصة مميزة للإرادة الإنسانية ليس إذن تخصيصًا لها بالقدرة على أن تمارس ذاتها دون دافع، أو غاية، وعلى أن تقطع صلاتها بجميع قوى الطبيعة الأخرى؛ بل إن هذا الاستقلال لا يصح أن يتخذ ذريعة لقطع منابع هذه القوى، أو إسكات الأصوات التي تحفز الإرادة، وإنما يعنينا فقط أن نثبت أن الصلة بين إرادتنا الخاصة ومزاجنا أو الطريقة التي تعودناها

نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 187
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست