ظهورها، ويستطيع أن يصر على أن تأثيرها ضئيل في مقاومة الشهوات، ولكن يبقى شيء لا شك فيه، هو أن جوهر الأخلاقية ذاته يكمن في نشاط ذاتنا المفكرة.
وقد أحسن "كانت" صنعًا -برغم بعض النقص في طريقة تقديمه لنظريته- حين أكد أنه كشف عن مصدر الإلزام الأخلاقي، في تلك الملكة العليا في النفس الإنسانية، والتي توجد مستقلة عن الشهوة، وعن العالم الخارجي معًا، إذ يقول:
"أيها الواجب، أيها الاسم الأسمى العظيم ... أي مصدر جدير بك؟ وأين نجد جذر ساقك النبيلة؟.. لعله لا يكون -على الأقل- سوى ذلك الذي يرفع الإنسان فوق ذاته ... والذي يشده إلى نظام للأشياء، لا يمكن لقوة أن تتصوره سوى قوة الإدراك"[1]. فالإنسان بانتمائه في وقت واحد إلى عالم الإدراك، وعالم الحس -ذو طبيعتين، تسيطر أشرفهما، وهي "العقل" على دنياهما، وهي "حب الذات غير المشروع" وهذا الصوت العقلي واضح تمام الوضوح، "شديد التأثير" قابل لأن يدركه حتى السذج من الناس ... والحدود التي تفصل الأخلاقية عن حب الذات مميزة بكثير من الوضوح والضبط، حتى إن النظرة العادية لا تعجز عن تمييز ما يتصف به أحدهما، دون الآخر" [2].
فإذا ما رددنا نظرية "كانت" إلى أبسط تعبير عنها، وخلصناها من جميع مظاهر الدقة الشكلية، ونزعة التسامي، ونقيناها أيضًا من نزعة التشاؤم، التي اتسمت بها؛ ومن بعض ما شابها من البرود العاطفي -فهي بعد هذا [1] انظر: Kant. Critique de la Raison Pratique, p. 91. [2] المرجع السابق ص35-36.