جـ- "الجانب العقلي والأخلاقي":
بيد أن الجزاء الإلهي لا يتوقف عند هذا الحد، فهو لا يقتصر على تثبيت أقدام المؤمنين أمام عقبات الحياة المادية، أو إشباع مطامحهم الجماعية إلى السلام والرفعة، وإنما هو يتعمق أكثر، حتى يصل إلى أعمق ملكاتنا، وأكثرها رقيًّا، ليصبح بذلك مكملًا ضروريًّا للجزاء الأخلاقي الحق.
والواقع أننا عندما قلنا آنفًا: إن الخير ينير النفس، ويزكي القلب، ويقوي الإرادة الخيرة، وإن الشر يدنس, ويعمي، ويفسد -فقد كانت تلك إشارة إلى اتجاه، أكثر منه واقعًا، وإلى نواة، أكثر منها كائنًا مصورًا، وإلى مرحلة أولى في تاريخ طويل، وإلى حالة نشأت حافلة بإمكانات عديدة، قابلة للإيقاف، والتحول، للتقدم والنكوص، إلى ما لا نهاية. ولكي نضع هذه الحالة الناشئة على إحدى الطرق المفتوحة أمامها يلزمنا مبدأ فعال، قادر على توجيهها في هذا الاتجاه أو ذاك.
وإذن ... فهاكم ذلكم المبدأ الفعال!! إن خالق الفطرة ذاته هو الذي أوجب على نفسه هنا أن يهدي هذه الفطرة إلى الغاية التي تتجه إليها.
فالله سبحانه سوف يرشد أولئك الذين يعملون له -إلى الطرق التي تهدي إليه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [1]، وسوف يهدي قلوب الذين يؤمنون به: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [2], وسوف يبدد ظلماتهم، ويوصلهم إلى النور: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [3]. [1] العنكبوت: 69 "= 1 أ". [2] التغابن: 11 "= 1 أ". [3] 2/ 257 و5/ 16 و33/ 43 و65/ 11 "= 4 ب".