على أننا لا ينبغي أن نعتبر كل هذه العقوبات المادية غاية، بل هي وسيلة لإيلامهم أخلاقيًّا، فالغرض الجوهري من الاندحار في هذا المأوى البشع ليس النار، بقدر ما هو الخزي الذي تعنيه: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [1].
ومما يزيد في شقائهم أنهم في هذه الآلام الأخلاقية والمادية لن يجدوا من حولهم قلبًا عطوفًا معزيًا، بل إن روابط الصداقة التي كانت لهم في الماضي، والتي ستكون قد تقطعت يومئذ، هذه الروابط سيحل في مكانها جوار سيئ لهؤلاء الأصدقاء القدامى أنفسهم، فلن يكون بينهم منذئذ سوى الخصام: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّار} [2].
والبغض: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين} [3].
والتلاعن: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [4]، {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [5].
ولقد أردنا بهذا التصنيف، وهذه النصوص المحددة أن نعطي للقارئ إحساسًا دقيقًا بمنهج التبليغ الذي اتبعه القرآن، وبالنسبة التي يمثلها كل طريق من طرقه في المجموع. [1] 3/ 191 و9/ 63 و11/ 60. [2] 38/ 64. [3] 43/ 67. [4] 7/ 38. [5] 29/ 25.