responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 480
الحية والعلوية، هذه الحقيقة التي لا حدود لخيرها ولا لقوتها، والتي هي موضوع حبنا واحترامنا ونطلق عليها: الله.
إن النفس التي تثق في هذه الحقيقة لا ترتد أبدًا إلى ذلك اليأس القاتل، ولا إلى ذلك التساهل البليد نحو الذات. ذلك أن فكرة لطف الشرع الإلهي الذي لا يأمرنا بأن نخرج من فطرتنا، يقابلها في ضميرنا فكرة العلم الشامل العلوي لخالق هذا الشرع. هذا العلم الشامل وحده، الذي يطلع على أعماق قلوبنا، والذي يقيس قياسًا دقيقًا حدود قدرتنا -هو الذي يستطيع أن يحكم بحق إن كنا لا نزال نطيق أن نبذل جهدًا، لكشف نقائصنا المستورة، نقائص سلوكنا الباطني، وتصحيحها -هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، إن فكرة وجود الله ذي الجلال في كل مكان، تلك الفكرة التي تملأ نفوسنا اهتمامًا بالأخلاق، وبالصرامة نحو أنفسنا -هذه الفكرة يخففها بدورها فكرة الرحمة التي تمد يدها دائمًا إلينا، لا من أجل أن تتلقى أولئك الذي يرجعون من غفلتهم، ويحاولون أن ينهضوا من كبوتهم فحسب، ولكن من أجل أن تساعدهم، وتمدهم بقوة يتراحب مداها دائمًا.
في هذا الضوء يصف لنا القرآن حالة نفس المؤمن، فهي ليست يائسة من روح الله: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [1]، ولا هي آمنة من مكره: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [2] وإنما هي دائمًا في منتصف طريق، بين الأمل والخوف، أو بالأحرى، تغذي كلا الشعورين في وقت واحد: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [3].
وإذن، فهو حوار حي، بين لطف وهمة، وشجاعة وأمل، وهو حوار يتعهد شعلتنا، دون أن يحرقنا بها، ويرطب قلوبنا دون أن يسلبها حميتها،

[1] يوسف: 87.
[2] الأعراف: 99.
[3] الزمر: 9.
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 480
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست