ب- النية الحسنة:
من المعلوم، في الأخلاق العقلانية أن أكثر النظريات تشددًا، وهي نظرية "كانت"، تجعل المبدأ المحدد للإرادة الطيبة في الفكرة المجردة للواجب، باعتباره القانون الشكلي للعقل.
ولقد يجوز لنا أن نعتبر هذه النظرية مجرد بديل ميتافيزيقي للنظرية القرآنية. ولا ريب أن القرآن يقدم الأشياء في ضوء مختلف؛ لأنه يملأ هذا الشكل الفارغ للواجب بمادة مناسبة، ويعين لممارسة هذا الأمر السامي سلطة أكثر ارتفاعًا بصورة أخرى. فالمؤمن لا يذعن للواجب "كفكرة" أو "ككائن عقلي"؛ ولكنه يذعن له باعتباره متصلًا بحقيقة أساسية، ومن حيث هو صادر عن الموجود الأسمى الذي زودنا بهذا العقل، وأودع فيه الحقائق الأولى؛ بما في ذلك الحقيقة الأخلاقية في المقام الأول.
بيد أننا إذا نحينا هذه الفروق النظرية جانبًا، فسوف نلاحظ تماثل النظريتين فيما قامتا عليه أساس من اقتضاء عملي.
فالقرآن يعلمنا أن الرسالة الوحيدة للإسلام، الرسالة التي من أجلها خلق الإنسان، بل خلقت جميع الكائنات العاقلة، مرئية وغير مرئية، "إنسًا وجنًّا" -هذه الرسالة تنحصر في العبادة والخضوع للخالق جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} .
وتأتي آيات كثيرة لتكمل هذا الإعلان بأقوال أكثر تحديدًا، ومن ألفاظ هذه الأقوال نجد أن خضوع النفس لأمر الله يجب أن يكون خالصًا، دون شرك: {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [1]، {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [2]، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [3]. [1] 2/ 139. [2] 7/ 29. [3] 39/ 2.