من لدن العناية الإلهية، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [1].
وكل ما في الأمر أن القرآن قد أخضع اكتساب هذه الموارد، وتوزيعها، واستعمالها لبعض القواعد العامة التي تكفل خير الجميع في عدالة، وجعل -فيما عدا ذلك- من هذا العالم معبرًا، ومنزلًا مؤقتًا: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [2].
وهو لم يجعل من اهتمامات الدنيا كلها، ومن متعها، غاية، بل وسيلة لبلوغ أشياء أخرى، يقول القرآن: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [3].
وإذن، ففيم تنحصر النزاهة التي علمنا إياها القرآن، إن لم تكن في الفكر، وفي النية؟ ذلك أنه إذا كان الشر الأخلاقي لا يمكن في الممارسة المادية لنشاط معين، يستهدف إنتاج الطيبات، وحيازتها، فلا يمكن أن يوجد إلا في الروح التي تملي هذه الممارسة. وما علينا إلا أن نستنبط، ثم نصوغ رأي الأخلاق الإسلامية في هذا الصدد، مميزين ست حالات، تختلف قيمتها أحيانًا اختلاف الليل والنهار: [1] الجاثية: 13. [2] آل عمران: 14. [3] الزخرف: 12-13.