أن ينتظر بهذا الإعطاء أجرًا من صاحب المنة، إن كان قد أخرج الإعطاء من قلبه، "ولم تبغِ نفسه ثوابها، فكأنه من القبيح أن يقول: يا رب، أي شيء تعطينا بهذا؟ "[1].
أما الغزالي فسيكون أشد وضوحًا، ومباشرة وهو يقول: "وأما الطاعة على نية إجلال الله تعالى؛ لاستحقاقه الطاعة والعبودية فلا تتيسر للراغب في الدنيا، وهذه أعز النيات وأعلاها، ويعز على بسيط الأرض من يفهمها، فضلًا عمن يتعاطاها"[2]. وهو حين يتحدث عن شعور الحب يبدو أنه يجعله في سمو شعور الإجلال؛ لأنه يعتبره من صفات ذوي الألباب، من كبار الأتقياء. ويقول: إن هؤلاء الأتقياء لا يطمعون إلا في التقرب إلى الله، ورؤيته، والاستماع إليه، ومعرفته بحق، وهم بهذه المعرفة سوف يعرفون حقيقة كل شيء، أما هم فإن "عبادتهم لا تجاوز ذكر الله تعالى، والفكر فيه، حبًّا لجماله وجلاله"[3].
أما فيما يتعلق برأيه في مشاعر المؤمنين, بالخوف من العقاب، أو الطمع في الثواب، فلسوف نراه فيما بعد.
بيد أن أحدًا -فيما نعلم- لم يتوج هذا التدرج قبل الشاطبي "المتوفى عام 790هـ"، فلقد تولاه بالبحث الدقيق للمقارنة الأخيرة، وهي المقارنة التي تحاول معرفة ما إذا كان من حقنا، ونحن نؤدي واجبنا، أن ننظر إلى المسببات التي يفترض أن تنتج عنه، والتي نعلم من جانب آخر أن الشرع يستهدف تحقيقها، أو أن الأمر على عكس ذلك، فيجب أن تقتصر أنظارنا على العمل ذاته، دون أن نشغل أنفسنا بأي شيء يسفر عنه، وبعبارة أخرى، على [1] جواب المسائل ص210 من المجموع. [2] الإحياء 4/ 363. [3] الإحياء 4/ 363 ط. الحلبي.