كلا ... فسلطة الواجب بالنسبة إلى شهواتنا يجب أن تكون مطلقة غير مشروطة، وليس أمامنا إلا أن نذعن لها طوعًا أو كرهًا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} 1.
وذلكم هو شعار المؤمنين الثابت أمام الأوامر المختلفة، لله ورسوله: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} .
وفي احترام هذه العلاقة المتدرجة، أو عكسها بتقديم ما ينبغي أن يتأخر، تكمن السمة التي يتميز بها الهوى المستنير، الذي يعتبر إشباعه طبيعيًّا ومباحًا -عن الهوى الأعمى الذي لا يفتأ القرآن يحذرنا منه.
بيد أنه لا يكفي أن يكون الهدف الذي يتوخاه المرء من بين المباح، في ذاته، بل يجب أيضًا، بموجب الشرط الثاني -أن يكون العمل الذي يستهدفه من شأنه أن يستخدم أخلاقيًّا، كوسيلة لبلوغ هذه الغاية.
وهنا تتدخل فكرة "الغائية" بكل تعقيداتها[2]، فإن أهدافنا من هذا العمل أو ذاك لن تقوم في ذاتها فحسب، بل باعتبار اتفاقها أو اختلافها مع أهداف الشرع من هذه الأعمال.
هل يوجد -مثلًا- بالنسبة للإنسان، اهتمامات أكثر طبيعية من اهتمامه بأن يعيش دون مفاجآت كبيرة، وبأن يخلق صداقات متينة مع إخوانه؟ بيد أن الإنسان لكي يبلغ هذه الغايات يملك طريقًا طبيعية جدًّا، لا معابة
1النور: 51. [2] سوف نرى أنها معقدة تعقيدًا مضاعفًا، إذ يجب أن ننظر في العمل الواحد إلى غايات المشرع، وغايات الذات، أساسية كانت أو ثانوية.