responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 525
وهو رد الفعل من المشرع، ولقد أثبت القرآن الواجبات من جهة، وأثبت نتائجها الجزائية من جهة أخرى، فإذا شرفت الفضيلة وأثيبت وإذا ما استنكرت الرذيلة وعوقبت، فهل في ذلك غير العدالة؟ ولكن شتان ما بين أن نعين لأعمالنا عاقبتها، وأن نقترح على الإرادة مبدأ يلهمها، وذلكم هو ما صاغه القرآن في مواضع كثيرة، فهذا المبدأ مختلف تمامًا، إذ هو المثل الأعلى، والإنسان الذي يؤدي واجبه بالخوف أو بالرجاء، والذي يتخذ من توقع مصيره في الحياة الآخرة قوة محركة لإرادته الطائعة، هذا الإنسان لا يقتصر عمله على خلط وتوحيد نوعين مختلفين من الغائية: الغاية الوجودية "الثمرة"، والغاية الأخلاقية "الهدف"، ولكنه أيضًا يغفل شرطًا جوهريًّا عن العاقبة الموعودة؛ لأن القرآن خط له طريقًا يتبعه، وأثبت له سعيًا يقوم به، من أجل أن ينتهي إلى هذه الحياة السعيدة: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [1]، وليست الجنة إلا للقلوب السليمة، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [2]، والقلوب الراجعة إلى الله: {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيب} [3]. ولكن إذا كان التقارب قد تم على هذا النحو بين المذاهب المتعارضة، فهل يؤدي ذلك إلى اندماجها؟ ليس بشكل تام برغم هذا، فإن النقطة المتنازع عليها تظل كل هي.
فعلى حين أن النظرية المتشددة تحكم دائمًا بالكدرة والدنس على كل ما ليس طاهرًا نقيًّا إلى الحد الوارد في قوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [4] -ترى النظرية المتسامحة أن بين الطهارة المطلقة، التي هي موضوع الثناء والثواب، والدنس الصارخ، الذي دحر وذم كثيرًا في النصوص.

[1] الإسراء: 19.
[2] الشعراء: 89.
[3] ق: 33.
[4] البقرة: 272.
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 525
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست