وإذن، فإن بين مصطلحي "الجهد، والقيمة الأخلاقية" علاقة ثابتة، لدرجة أن دقة قياس أحدهما بالآخر يمكن أن تذكر في صورة معادلة: فوجود أحدهما أو عدمه، وزيادته أو نقصه قد تستتبع نفس الأثر في الآخر، بصورة لا يمكن تحاشيها، وبنفس النسبة.
وبقدر ما يكون التزام القاعدة أمرًا لا يمكن تحقيقه إلا ببذل مجهود من الإرادة تتفاوت درجته، فمما لا شك فيه أن كل جهد يدخر يعادل خسارة، بنفس النسبة، في الجزاء. فهل الأمر كذلك في حالة العكس، وهي الحالة التي تسمح فيها القوة الأخلاقية للذات بأن تنهض بتكاليفها دون جهد؟
هذه المسألة موضع خلاف بين الأخلاقيين المسلمين، ومن الذين أدلوا برأيهم بالموافقة، نذكر أصحاب أبي سليمان الداراني، على حين أن علماء البصرة قد أيدوا الرأي المعارض تمامًا[1]. ولو أننا رجعنا إلى الضمير العام، فلن نعدم أن نلاحظ نفس التعارض، ونفس التردد.
ألا تنطوي هذه الحيرة على تناقض في الفكر الأخلاقي ذاته، وهو تناقض بين طريقتين في التقويم، كلتاهما مشروعة على سبيل الاحتمال؟
أليست العبقرية، وشرف الخلق، والعظمة، وطهارة النفس، كلها موضوع تقدير وإعجاب لدى كل الناس؟ [1] ونص هذه المسألة كما وردت في إحياء علوم الدين 4/ 41, قال الإمام الغزالي: "فإن قلت: إذا فرضنا تائبين، أحدهما سكنت نفسه عن النزوع إلى الذنب، والآخر بقي في نفسه نزوع إليه، وهو يجاهدها ويمنعها، فأيهما أفضل؟ فاعلم أن هذا مما اختلف العلماء فيه، فقال أحمد بن أبي الحواري، وأصحاب أبي سليمان الداراني: إن المجاهد أفضل؛ لأن له مع التوبة فضل الجهاد. وقال علماء البصرة: ذلك الآخر أفضل؛ لأنه لو فتر في توبته كان أقرب إلى السلامة من المجاهد، الذي هو في عرضة الفتور عن المجاهدة. وما قاله كل واحد من الفريقين لا يخلو عن حق، وعن قصور عن كمال الحقيقة ... إلخ". "المعرب".