الألم البدني، باعتباره واجبًا، أو نتيجة من نتائج الواجب التي تستهدفها الشريعة.
وليس يغض من صدق هذا القول أن من الممكن حدوث هذا الألم، بل إنه نتيجة طبيعية للحرمان، وكثيرًا ما نلاحظ لدى الصائمين، سواء في البداية، أو على مدى الصوم، شعورًا بالضيق، يضعف أو يقوى، وهو ناتج على الأقل عن تغيير النظام، ولكن أمرًا جديدًا يفرض نفسه في هذه الحالة.
ذلك أن الواجب ليس أن نعتصم بالصبر، ونتشبث بالكرامة، فقط في مواجهة حدث مغم لا يمكن تفاديه[1]، من مثل ما تحدث عنه القرآن في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} 2، [1] ونقول: لا يمكن تفاديه؛ لأن من الواضح أن واجبنا لن يكون نفس الواجب أمام المشاق التي تحدث بطريقة طبيعية، كالأمراض، والحوادث، وهي أمور قابلة للتغيير أو التلطيف، فمثل هذه الشرور لا تحدث لكي نتخذ منها موقفًا سلبيًّا، بل إنها تثير جهودنا وتستحثها إلى مقاومتها، وقهرها، وفي ذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما روي عن أبي هريرة: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" "صحيح البخاري, كتاب الطب, باب 1". ويقول -عليه الصلاة والسلام- فيما روي عن جابر: "لكل داء دواء. فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل" "صحيح مسلم, كتاب السلام, باب 26". ويقول, صلوات الله وسلامه عليه: "فتداووا ولا تداووا بحرام" "أبو داود, كتاب الطب, باب 10".
ومن الممكن القول بأن هذه العناية المادية لا تعتبر دائمًا واجبًا لازمًا، وشاملًا. وهؤلاء الذين لديهم من الهموم أعظم مما ينظرون إلى أجسادهم يفضلون أحيانًا أن يتحملوا الأوجاع البدنية بشجاعة عن أن يلجئوا إلى مداواتها، أو إلى تصرفات غير عادية، أو بالغة القسوة، من مثل ما أشار إليه قوله, عليه الصلاة والسلام: "هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون" "صحيح مسلم, كتاب الإيمان, باب 92".
2 البقرة: 150.