وهكذا نستطيع أن نحدد في كلمتين موقف القرآن بالنسبة إلى "مشكلة الألم البدني في الأخلاق"، "فليس حتمًا أن نبحث عن هذه التضحية، بحيلة متعسفة، ولا أن نهرب منها حين تفرض ضمن واجب من الواجبات".
هاتان القضيتان تستخلصان بوضوح أكثر عندما نتأمل بنظرة فاحصة كيفية تطبيق هذا المبدأ القرآني فيما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- من حلول، في مختلف المسائل الخاصة. وحسبنا أن ندرس في هذا الصدد قضيتين متنافيتين، طالما ناقشهما الأخلاقيون المسلمون، محاولين توضيح بعض جوانبهما:
الصبر والعطاء، والعزلة والاختلاط:
1- صبر وعطاء:
هذه هي المشكلة الأولى: فأي الفضيلتين خير من الأخرى: الصبر في البأساء، أو العطاء في الرخاء؟
وربما طرحت هذه المشكلة طرحًا سيئًا إذا ما أريد بها هنا إقرار تدرج ذي طابع عملي، صالح لفرض واجب، أو حتى وصية. ذلك أنه لكي نمارس الفضيلة الأساسية المنافية لوضع معين -فإما أن يكون كافيًا أن نتخذ بطريقة مصطنعة موقف الوضع النقيض، وهو أمر يبدو محالًا غير معقول، وإما أن يلزمنا أن نستبدل بالوضع الراهن الوضع العكسي.
ولكن لو افترضنا أن إصلاح وضعنا وإسعاد أنفسنا ماديًّا، أو إفساد هذا الوضع، وتدبير ثرواتنا -كلاهما يتوقف علينا، فهل من واجبنا الملح، كيما ننتقل من حالة إلى أخرى مناقضة لها -أن نغير وضعنا، أو أن نسير بهذه الطريقة أو تلك على حسب الظروف؟
إن الإجابة عن هذا السؤال موجودة أولًا بصورة مجملة في وصية حكيمة،