ولكن إيمان الفرد، بأنه لن يؤمن أبدًا -حدث واقعي بالنسبة لمن لا يؤمن، ما دام أنه يحسه في نفسه، ويعرفه بالتجربة المباشرة، والشخصية.
وحين أخفقت كل محاولات الأشاعرة في هذا المجال القرآني، وجهوا بحوثهم إلى مجال أكثر رحابة، وأعظم اعتمادًا على العقل الخالص، وها هم أولاء يريدون أن يبرهنوا لنا على أن التكليف بالمحال هو من جانب معين قاعدة عامة، أكثر من أن يكون قاعدة خاصة في الشرع الإلهي.
ويقف خصومهم المعتزلة ليدافعوا عن الحرية الإنسانية مقدمين إياها على العمل، حين يكون لكل امرئ أن يجرب قدرته المزدوجة على أن يعمل، أو يمتنع عن العمل.
ويعترض الأشاعرة على هذا بأن القدرة كانت قبل العمل احتمالًا، والقدرة الفعلية مصاحبة للعمل[1]، من حيث إنه لا يمكن أن تمارس هذه القدرة تأثيرها على الضدين إلا تباعًا، فإذا ما شغلت بأحدهما بقي الآخر محالًا، ما دام الأول في طريق التحقق، فالذي يخالف الأمر، ويستخدم نشاطه في مناقضته هو حينئذ غير قادر على الطاعة، في حين يمارس المعصية، وهو مع ذلك مكلف في اللحظة ذاتها بأن يؤدي واجبه، وبهذا يكون عدد الحالات الاستثنائية الشاذة -أعني: التي يكون موضوع التكليف فيما أمرًا لا يقبل التحقق- مساويًا على الأقل لعدد الحالات السوية.
ولكن من ذا الذي لا يرى في هذا الكلام سفسطة خالصة؟
الواقع أن أحدًا لا يمكن أن يفكر في تفسير الأمر الموجه إلى عاصٍ، [1] قارن هذا بنظرية برجسون عن الحرية، القائمة على عدم القدرة على التنبؤ بالعمل، وعلى ديناميكية الذات الفاعلة.