المترابطة المتواثقة، وكله قابل للتطور والتقدم، وليس من الممكن أن نغفل أي واحد منها دون أن نخلخل هذا التناسب العجيب الذي أبدع فيه الإنسان، أو نشوهه، أو نبتره.
والحاسة الخلقية تتطلب ازدهار هذا المجموع ككل، وهو ما لا يمكن إلا بشرط أن نربي -على التوازي- جميع الجوانب إلى مستوى معين، أي: إنه يجب أن تمارس النفس الإنسانية جميع القيم، قبل أن تتخصص في واحدة من بينها، وذلكم هو المفهوم الإسلامي للواجب: "إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا" وفي رواية: "ولزَوْرِك, فأعط كل ذي حقٍّ حقه" [1].
فعن هذه المنافسة في القيم ينتج بالضرورة أن الواجب فرع من فروع الحياة لا ينبغي له أن يشغل سوى امتداد معين من الخير الممكن والميسور في هذا الفرع نفسه، تاركًا المجال للفروع الأخرى كي تشبع احتياجاتها؛ وتحرز نصيبها الشرعي من نشاطنا.
وهنالك مقياس تستطيع الضمائر الطاهرة أن تلمح به الحد الأعلى؛ الذي يتحول عنده معنى كل فضيلة إلى نقيضها؛ حين تلحق الضرر بفضيلة أخرى.
بيد أن هذا الحد الأعلى؛ الذي يختلف تبعًا لاستعداد كل فرد, وتبعًا للظروف التي يمر بها -لا يحدد ميدان الخير الأخلاقي إلا على نحو جزئي وسلبي؛ إذ لما كان الميدان رحبًا عرف كل فرد فيه درجات مختلفة من الفضل والاستحقاق؛ بحيث يستتبع النقص في درجة أو في أخرى؛ تارة تأنيبًا قاسيًا؛ وأخرى عتبًا رقيقًا، أو عتابًا شديدًا؛ وثالثة لا يثير أدنى رد فعل في الضمير. [1] صحيح البخاري, كتاب الأدب, باب 84-86.