ثم ... كيف نقدر الحد الأدنى الضروري من واجباتنا نحو الله، ونحو أنفسنا؟ عن هذه النقاط جميعها تقدم الأخلاق الإسلامية إشارات ثمينة.
ففيما عدا الواجب المطلق الذي لا يتضمن تقييدًا، ولا تحديدًا، أعني: "الإيمان" -نجد أن هذه الأخلاق تعين في كل عمل يقبل التحديد درجتين من الخير، وتعطي لكل منهما علامات مميزة، ومحددة بدرجة كافية: الحد الأدنى، الذي لا يهبط العمل دونه، إلا إذا أخل بالواجب؛ ثم ما يعلو فوق ذلك دون تجاوز للحد الأقصى؛ وبعبارة أخرى: الخير الإلزامي، والخير المرغوب فيه. ومعنى ذلك بالنسبة إلى ما سبق أن ما وصف بأنه ضرورة صارمة يمثل مشاركة جوهرية في كل قيمة[1].
وفضلًا عن ذلك، إن القرآن يفتح الطريق في كل مجال إلى مشاركة أكبر، وهو يحث كل إنسان على ألا يقنع بهذه المرحلة المشتركة، وأن يرتفع دائمًا إلى درجات أكثر جدارة, في مثل قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [2]؛ وقوله: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [3]، وقوله: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [4]، فهو يضع فضيلة "الإسماح - CONDESCENDANCE" فوق "الحق الثابت"، ويلح بخاصة على فضيلة "الإحسان"، واسمع في ذلك قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [5].
وإمهال المدين عندما يكون عاجزًا عن الوفاء -واجب، ولكن إعفاءه [1] وعلى سبيل المثال: شهر من الحرمان يفرض على شهواتنا، وعشر من محاصيلنا، وجزء من أربعين جزءًا من أموالنا يواجهها إلى الفقراء، وخمس صلوات في كل يوم ... إلخ. [2] البقرة: 184. [3] البقرة: 219. [4] الفرقان: 64. [5] البقرة: 237.