الأقوياء في تعاملهم، فعباد الله هم عباد مطمئنون لا تجيش صدورهم بغير المشاعر النبيلة، ولا تخفق قلوبهم بغير الحب والمودة، ولا يشحنون صدورهم بمشاعر الغل [1] والحقد، يبيتون وصدورهم نظيفة نقية طاهرة، يردون على السيئة بالحسنة بكل قوة وشموخ [2] طمعا في المثوبة، فانظر إلى قول الله تعالى في محكم تنزيله: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22] [3] .
وحين استمع معاذ إلى قول والده وما جاءت به الآية الكريمة سكن عنه الغضب وأحس بشيء من السكينة يغلف روحه ويسري بين جوانحه [4] بكل عذوبة على الرغم من أنه لم يفقه معنى قول الله تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد: 22] فبادر قائلا:
- إني أحس يا أبي بالأمن لسماع هذه الكلمات وأشعر بالطمأنينة تنساب في فؤادي لما تحمله هذه الآية الكريمة، ولكن هل لك يا أبي أن توضح لي معنى ويدرؤون بالحسنة السيئة؟ [1] الغش والحقد. [2] من شمخ بأنفه أي: رفعه اعتزازا، وشموخ أي: اعتزاز. [3] سورة الرعد، الآية: 22. [4] الجوانح: الأضلاع تحت الترائب مما يلي الصدر، سميت بذلك لانحنائها وميلها، يقال: بين جوانحي أي بين ضلوعي.