ينبغي الإقدام عليه دون أن تقوم على قصده لقطع المودة بينة واضحة؛ ذلك أن المرء لا يخلو ـ وهو معرض للغفلة والخطأ ـ أن يخل بشيء من واجبات الصداقة.
فإن كنت على ثقة من صفاء مودة صديقك ـ أقمت له من نفسك عذرا، وسرت في معاملته على أحسن ما تقتضيه الصداقة.
فإذا حام في قلبك شبهة أن يكون هذا الإخلال ناشئا عن التهاون بحق الصداقة ـ فهذا موضع العتاب؛ فالعتاب يستدعي جوابا، فإن اشتمل الجواب على عذر أو اعتراف بالتقصير ـ فاقبل العذر، وقابل التقصير بصفاء خاطر، وسماحة نفس.
وعلى هذا الوجه يحمل قول الشاعر:
أعاتب ذا المودة من صديق ... إذا ما رابني منه اغتراب
إذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الود ما بقي العتاب[1].
ومما يدلك على أن صداقة صاحبك قد نبتت في صدر سليم أن يجد في نفسه ما يدعوه إلى عتابك، حتى إذا لقيته بقلبك النقي وجبينك الطلق ـ ذهب كل ما في نفسه، ولم يجد للعتاب داعيا.
كما قال أحدهم:
أزور محمدا وإذا التقينا ... تكلمت الضمائر في الصدور
فأرجع لم ألمه ولم يلمني ... وقد رضي الضمير عن الضمير[2]. [1] بهجة المجالس2/738. [2] عيون الأخبار3/26.