ولهذا كانت القراءةُ واجبةً في الصلاة، ولا يُعدلُ عنها إلى الذِّكر إلاّ عند العجز عن ذلك، وهذا واضحٌ في الدِّلالة على أفضلية قراءة القرآن، ويدل على ذلك أيضاً أنَّ القراءة يشترط لها الطهارة الكبرى دون الذِّكر فإنَّه لا يشترط فيه ذلك، وما لم يشرع إلاّ على الحال الأكمل فهو أفضل، كما أنَّ الصلاة لمّا اشترط لها الطّهارتان كانت أفضل من مجرّد القراءة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالكم الصلاة"[1]، ولهذا نصّ العلماء على أنَّ أفضل تطوّع البدن الصلاة، وأيضاً فما يكتب فيه القرآن لا يمسّه إلاّ طاهر دون ما يكتب فيه الذِّكر فإنَّه لا يشترط فيه ذلك.
فهذا كلّه يدلّ على أن قراءة القرآن الكريم هي أفضل من التسبيح والتحميد والتكبير وغير ذلك من الأذكار، هذا من حيث الجملة، وإلاّ فإنَّه قد يقترن بالعمل المفضول ما يجعله أفضل.
وقد أوضح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبيَّنه بيانًا وافيًا في جوابٍ له عن هذه المسألة[2]، يقول رحمه الله:
"وتحقيق ذلك أنَّ العمل المفضول قد يقترن به ما يصيّره أفضل من ذلك وهو نوعان:
أحدهما: ما هو مشروع لجميع الناس.
والثاني: ما يختلف باختلاف أحوال الناس. [1] المسند للإمام أحمد (5/276، 282) ، وصححه العلاَّمة الألباني في صحيح الجامع (رقم:952) . [2] انظر: الفتاوى الكبرى (1/233 وما بعدها) .