وينزلهم منازلهم، فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا، ويعرف لِعالمنا [حقَّه] "[1].
هذا وإنَّ من عدم معرفة قدر أهل العلم وحفظ مكانتهم الإدّعاءَ بأنَّ علماءَ الأمّة وفقهاءَ الملّة وأهل الحلّ والعقد فيها لا يفقهون غير علم الحيض والنفاس، ممّا يترتّب على ذلك الحطُّ من شأنهم والتقليلُ من قدرهم، وصرفُ النّاس عن الإفادة منهم، وهي مقالةٌ فاسدةٌ وكلمةٌ خطيرةٌ، نشأت قديما عند أرباب البدع وأهل الأهواء، ولكلِّ قومٍ وارثٌ، وفي الغالب أنَّ أهلَ هذه المقالة لا يسلم الواحد منهم من أحد توجهين:
ـ إما توجّه صوفيٌّ، ينحى بهذه المقالة إلى الحطِّ من قدر العلم والتنقيص من مكانته، ليخلص من ذلك إلى تفضيل العبادة والذكر عليه، وربّما استشهد بعض هؤلاء على هذا بما يحكى عن رابعة العدوية أنَّها أتت ليلة بالقدس تصلّي حتى الصباح، وإلى جانبها بيت فيه فقيه يكرر على باب الحيض إلى الصباح، فلمّا أصبحت رابعة قالت له: يا هذا وصل الواصلون إلى ربّهم، وأنت مشتغل بحيض النّساء؟ [2]. ولهذا دأب هؤلاء على النهي عن العلم والتحذير منه وعدّه آفة من الآفات، كما يقول أحدهم: "آفة المريد ثلاث: التزوّج، وكتابة الحديث، والأسفار". [1] جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/235) ، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (رقم:2196) . [2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/396) .