ولهذا فإنَّ مذهب أهل السنة والجماعة يقوم في هذا الباب على أصلين عظيمين وأساسين متينين، هما: الإثبات بلا تمثيل، والتنزيه بلا تعطيل، فلا يُمثِّلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يُمثِّلون ذاته سبحانه بذواتهم، ولا ينفون عنه صفات كماله ونعوت جلاله الثابتة في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل يؤمنون بأنَّ الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والواجب على كلِّ مسلم في هذا الباب العظيم أن يقف مع نصوص الكتاب والسنة دون زيادة أو نقصان، بل يؤمن بما ورد فيهما، ولا يحرِّف كلام الله عن مواضعه، ولا يُلحد في أسمائه وآياته، ولا يُكيّف صفاته، ولا يمثل شيئاً بشيءٍ من صفات خلقه؛ لأنَّ سبحانه لا سَمِيَّ له ولا كفؤ ولا نِدّ، ولا يُقاس بخلقه، وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه، وكذلك رسله الذين أخبروا عنه بتلك الصفات صادقون مصدوقون بخلاف الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، ولهذا قال الله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [1]، فسبَّح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلّم على المرسلين، لسلامة ما قالوه من النقص والعيب؛ ولهذا فإنَّ أهل السنة والجماعة المتَّبِعين لمحمّد وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه، يُثبتون ما أثبته رسل الله لربهم من صفات الكمال ونعوت الجلال، كتكليم الله لعباده ومحبّته لهم، ورحمته بهم، وعُلوِّه عليهم، [1] سورة الصافات، الآيات: (180 ـ 183) .