16/ وَسَطيَّةُ أهلِ القرآن
مرّ معنا أنَّ خير الذكر وأجلّه وأفضله هو القرآن الكريم، ومرّ معنا فضل حملته فهم أهل الله وخاصّته، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أنَّ لحملة القرآن صفاتٍ جليلةً ونعوتا كريمةً وهي كثيرة جدا، إلا أن أهمّ نعوتهم وأجلّ صفاتهم وأبرز علامتهم التوسطُ والاعتدالُ، وذلك بلزوم ما جاء في القرآن والوقوف عنده، دون غلو أو جفاء، ودون إفراطٍ أو تفريطٍ، أو زيادةٍ أو تقصيرٍ.
يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [1]، فلما جعل الله هذه الأمة أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم أمةً وسطاً أي خياراً عدولاً، خصّها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب، وجعل كتابه المبين يهدي للتي هي أقوم ويدعو للتي هي أرشد وأحكم، كما قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [2].
ولم ينزل اللهُ هذا القرآن الكريم ليشقى به الناس، وإنما أنزله ليسعدوا به سعادة لا شقاء بعدها، وليهتدوا به هداية لا ضلال بعدها، كما قال سبحانه: {طَهَ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَن يَخْشَى، تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ العُلَى، الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ [1] سورة البقرة، الآية: (143) . [2] سورة الإسراء، الآية: (9) .