نام کتاب : لطائف المعارف نویسنده : ابن رجب الحنبلي جلد : 1 صفحه : 338
واعلم أن الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله في الدنيا وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها ويرجيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره فإذا تيقن الموت وأيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا فندم حينئذ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب ويعمل صالحا فلا يجاب إلى شيء من ذلك فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت وقد حذر الله في كتابه عباده من ذلك ليستعدوا للموت قبل نزوله بالتوبة والعمل الصالح قال الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ، أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 54, 56] .
سمع بعض المحتضرين عند احتضاره يلطم على وجهه ويقول: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} وقال آخر عند احتضاره: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي وقال آخر عند موته: لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 99, 100] وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وقال الله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54] وفسره طائفة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله: بأنهم طلبوا التوبة حين حيل بينهم وبينها قال الحسن: اتق الله يا ابن آدم لا يجتمع عليك خصلتان سكرة الموت وحسرة الفوت وقال ابن السماك: احذر السكرة والحسرة أن يفجأك الموت وأنت على الغرة فلا يصف واصف قدر ما تلقى ولا قدر ما ترى.
قال الفضيل: يقول الله عز وجل: ابن آدم إذا كنت تتقلب في نعمتي وأنت تتقلب في معصيتي فاحذرني لا أصرعك بين معاصي وفي بعض الإسرائيليات: ابن آدم احذر لا يأخذك الله على ذنب فتلقاه لا حجة لك مات كثير من المصرين على المعاصي على أقبح أحوالهم وهم مباشرون للمعاصي فكان ذلك خزيا لهم في الدنيا مع ما صاروا إليه من عذاب الآخرة وكثيرا ما يقع هذا للمصرين على الخمر المدمنين لشربها كما قال القائل:
نام کتاب : لطائف المعارف نویسنده : ابن رجب الحنبلي جلد : 1 صفحه : 338