وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها السموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه أنزل عليه كتابه المبين، الفارق بين الهدى والضلال والشك واليقين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فيا عباد الله: ليس شيء أنفع للقلب في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل وجمع الفكر فيه على معاني آياته- فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقهما وأسبابهما، وغاياتهما، ومآل أهلهما، وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبِّت قواعد الإيمان في قلبه، وتُشَيِّد بنيانه، وتوطدَ أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذات ربه تعالى وأسماءه وصفاته، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق، واجتماعهم فيما يجتمعون فيه، وتفرقهم فيما يتفرقون فيه [1] . فعليكم عباد الله بتدبر كتابه فإنه أحسن الحديث وعليكم بسنة نبيكم وهديه فإن خير الهدي ... [1] مفتاح دار السعادة ص (184، 187، 193، 197) مدارج ص (451) .