سرورًا وفرصة وانشراحًا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه. ومنها أن غض البصر يسد عنه بابًا من أبواب جهنم؛ فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل، وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول، فمن هتك الحجاب ضري على المحظور ولم تقف نفسه عند غاية؛ لأن لذتها في الشيء الجديد. ومنها: أنه يقوي عقله ويزيده ويثبته فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب. ومنها: أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة، ويوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحِجر: 72] وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات.
ولا سيما النظر إلى «المردان الحسان» فإن إطلاق النظر إليهم هو السم الناقع والداء العضال.
روي عن الشعبي مرسلاً قال: قدم وفد عبد القيس على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيهم غلام ظاهر الوضاءة، فأجلسه النبي - صلى الله عليه وسلم - وراء ظهره، وقال: «كانت خطيئة من مضى من النظر» . وقال سعيد بن المسيب: إذا رأيتم الرجل يحد النظر إلى الغلام الأمرد فاتهموه.
والله سبحانه إنما حكى هذا المرض- مرض العشق عن طائفتين من الناس وهم «قوم النساء» وقوم لوط فأخبر عن «عشق امرأة العزيز» ليوسف وما راودته وكادته به، وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه [1] . [1] قلت: وكثير من القراء- فيما يُسْمَع- يكررون قراءة قصة هذا العشق من
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} [يُوسُف: 23] أكثر مما يقرءون أي سورة أو آيات أخرى. وقد قال بعض السلف: ما حصلناه في سورة يوسف أنفقناه في سورة النور. كما أن بعضًا يركز على آيات الرجا دون آيات الخوف، وبعض يركز على آيات في الثناء على بلد أو قوم، ويترك خلاف ذلك؛ إلى آخر ما يختارونه. ولما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - شبت قال: «شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت» وكان شيخنا- رحمه الله- كثيرًا ما يقرأ آخر سورة هود وهذه السور.