وتجد هؤلاء إذا تكلموا في الحركات التي بين السماء والأرض مثل حركة الرياح والسحاب والمطر وحدوث المطر من الهواء الذي بين السماء والأرض تارة، ومن البخار المتصاعد من الأرض تارة وكذلك إضافة الزلزلة إلى احتقان البخار، وإضافة حركة الرعد إلى مجرد اصطكاك أجرام السحاب إلى غير ذلك من الأسباب -فشهدوا بعض اٍلأسباب- المرئية، وجهلوا أكثر الأسباب، وأعرضوا عن الخالق المسبب لذلك كله، فضلوا في ذلك ضلالاً مبينًا؛ فإن خلق الله سبحانه للسحاب بما فيه من المطر من هذا البحر وبخار الأرض كخلقه للحيوان من المني، وخلق الشجر من الحب والنوى؛ ومعلوم أن المني جسم صغير لا يشبه الذي للحيوان من الأعضاء المكسوة والمتنوعة في أقدارها وصفاتها وحكمها وغاياتها هل يقول عاقل إن هذا مضاف إلى عرض وصفة حالٍ في جسم صغير، أو يضاف هذا إلى ذلك الجسم الصغير؟! هذا من أفسد الأمور في بديهة العقل.
ومعلوم أنه لا نسبة إلى خلق هذا من هذا وإلى ما يصنعه بنو آدم من الصور التي يصنعونها من المداد: مثل الكتابة بالمداد، ونسيج الثياب من الغزل، وصنع الأطعمة والبنيان من موادها، وهم مع ذلك لم يخلقوا المواد، وإنما غايتهم حركة خاصة تعين على تلك الصورة. ثم لو أضاف مضيف هذه الكتابة إلى المداد لكان الناس جميعًا يستجهلونه ويستحمقونه فالذي يضيف خلق الحيوان والنبات إلى مادتها أو ما في مادتها من الطبع أليس هو أحمق وأجهل وأظلم وأكفر؟!!