responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 248
غَيْرِ مَذَلَّةٍ، جَوَادٌ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، رَقِيقُ الْقَلْبِ.
زَادَتْ «عائشة» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَلِئْ قَطُّ شِبَعًا، وَلَمْ يَبُثَّ إِلَى أَحَدٍ شَكْوَى، وَإِنْ كَانَتِ الْفَاقَةُ لَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْيَسَارِ وَالْغِنَى» .
فَمَنْ طَلَبَ التَّوَاضُعَ فَلْيَقْتَدِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ فَمَا أَشَدَّ جَهْلَهُ، فَلَقَدْ كَانَ أَعْظَمَ خَلْقِ اللَّهِ مَنْصِبًا فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَلَا عِزَّ، وَلَا رِفْعَةَ إِلَّا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ.

بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي مُعَالَجَةِ الْكِبْرِ وَاكْتِسَابِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ، وَفِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَلْعُ شَجَرَتِهِ مِنْ مَغْرِسِهَا فِي الْقَلْبِ.
الثَّانِي: دَفْعُ الْعَارِضِ مِنْهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ يُتَكَبَّرُ بِهَا.
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي اسْتِئْصَالِ أَصْلِهِ:
عِلَاجُهُ عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ، وَلَا يَتِمُّ الشِّفَاءُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا:
أَمَّا الْعِلْمِيُّ: فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَيَعْرِفَ رَبَّهُ تَعَالَى، وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا التَّوَاضُعُ، وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِاللَّهِ. أَمَّا مَعْرِفَتُهُ رَبَّهُ وَعَظَمَتَهُ وَمَجْدَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ يَطُولُ، وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ أَيْضًا يَطُولُ وَلَكُنَّا نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْفَعُ فِي إِثَارَةِ التَّوَاضُعِ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِمَنْ فُتِحَتْ بَصِيرَتُهُ، قَالَ تَعَالَى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) [عَبَسَ: 17 22] فَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَوَّلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَإِلَى آخِرِ أَمْرِهِ وَإِلَى وَسَطِهِ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ لِيَفْهَمَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، أَمَّا أَوَّلُ الْإِنْسَانِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَقَدْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ دُهُورًا، وَأَيُّ شَيْءٍ أَخَسُّ مِنَ الْعَدَمِ، ثُمَّ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ أَقْذَرِ الْأَشْيَاءِ إِذْ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثُمَّ جَعَلَهُ عَظْمًا ثُمَّ كَسَا الْعَظْمَ لَحْمًا، فَهَذَا بِدَايَةُ وُجُودِهِ، فَمَا صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَخَسِّ الْأَوْصَافِ وَالنُّعُوتِ، إِذْ لَمْ يُخْلَقْ فِي ابْتِدَائِهِ كَامِلًا، بَلْ خَلَقَهُ جَمَادًا مَيِّتًا لَا يَسْمَعُ، وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يُحِسُّ، وَلَا يَتَحَرَّكُ، وَلَا يَنْطِقُ، وَلَا يَبْطِشُ، وَلَا يُدْرِكُ، وَلَا يَعْلَمُ، فَبَدَأَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ حَيَاتِهِ، وَبِضَعْفِهِ قَبْلَ قُوَّتِهِ، وَبِجَهْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ، وَبِعَمَاهُ قَبْلَ بَصَرِهِ، وَبِصَمَمِهِ قَبْلَ سَمْعِهِ، وَبِبَكَمِهِ قَبْلَ نُطْقِهِ، وَبِضَلَالِهِ قَبْلَ هُدَاهُ، وَبِفَقْرِهِ قَبْلَ غِنَاهُ، وَبِعَجْزِهِ قَبْلَ قُدْرَتِهِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عَبَسَ: 18، 19] ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) [عَبَسَ: 20] وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى الْمَوْتِ. وَإِنَّمَا خَلَقَهُ مِنَ التُّرَابِ الذَّلِيلِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ وَالنُّطْفَةِ الْقَذِرَةِ بَعْدَ عَدَمِهَا لِيَعْرِفَ خِسَّةَ ذَاتِهِ فَيَعْرِفَ بِهَا ذَاتَهُ، فَيَعْرِفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا أَكْمَلَ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ لِيَعْرِفَ بِهَا رَبَّهُ وَيَعْلَمَ بِهَا عَظَمَتَهُ وَجَلَالَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ الْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِهِ جَلَّ وَعَلَا.

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 248
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست