responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 278
بِالْكَسْبِ، وَهَكَذَا قَدَّرَهُ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ وَأَجْرَى بِهِ سُنَّتَهُ وَلَا تَبْدِيلَ لِسُنَّةِ اللَّهِ» . وَلَا يَعْلَمُ الْمَغْرُورُ أَنَّ رَبَّ الْآخِرَةِ وَرَبَّ الدُّنْيَا وَاحِدٌ، وَأَنَّ سُنَنَهُ لَا تَبْدِيلَ لَهَا فِيهِمَا جَمِيعًا، وَأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ إِذْ قَالَ: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النَّجْمِ: 39] فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلَالِ.

مَا يَفْعَلُهُ التَّائِبُ بَعْدَ الذَّنْبِ
اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى التَّائِبِ - إِنْ كَانَ جَرَى عَلَيْهِ ذَنْبٌ إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَشَهْوَةٍ غَالِبَةٍ أَوْ عَنْ إِلْمَامٍ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ - هُوَ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّكْفِيرِ بِحَسَنَةٍ تُضَادُّهَا، فَإِنْ لَمْ تُسَاعِدْهُ النَّفْسُ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ، فَقَدْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِ الْوَاجِبَيْنِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الْوَاجِبَ الثَّانِيَ وَهُوَ أَنْ يَدْرَأَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ فَيَمْحُوَهَا فَيَكُونَ مِمَّنْ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، فَالْحَسَنَاتُ الْمُكَفِّرَةُ لِلسَّيِّئَاتِ إِمَّا بِالْقَلْبِ وَإِمَّا بِاللِّسَانِ وَإِمَّا بِالْجَوَارِحِ، وَلْتَكُنِ الْحَسَنَةُ فِي مَحَلِّ السَّيِّئَةِ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَسْبَابِهَا، فَأَمَّا بِالْقَلْبِ فَلْيُكَفِّرْهُ بِالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالْعَفْوِ، وَيَتَذَلَّلُ تَذَلُّلَ الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَيُخَفِّضُ مِنْ كِبْرِهِ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ، وَكَذَلِكَ يُضْمِرُ بِقَلْبِهِ الْخَيْرَاتِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْعَزْمَ عَلَى الطَّاعَاتِ.
وَأَمَّا بِاللِّسَانِ فَبِالِاعْتِرَافِ بِالظُّلْمِ وَالِاسْتِغْفَارِ فَيَقُولُ: «رَبِّ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَعَمِلْتُ سُوءًا فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي» وَكَذَلِكَ يُكْثِرُ مِنْ ضُرُوبِ الِاسْتِغْفَارِ الْمَأْثُورَةِ. وَأَمَّا بِالْجَوَارِحِ فَبِالطَّاعَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَجْمَعَ سَيِّئَاتِهِ وَيَجْتَهِدَ فِي دَفْعِهَا بِالْحَسَنَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ اسْتِغْفَارٍ نَافِعًا، فَفِي خَبَرٍ: «الْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِآيَاتِ اللَّهِ» وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ» وَقَالَتْ «رَابِعَةُ» : «اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ كَثِيرٍ» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ الَّذِي هُوَ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ هُوَ الِاسْتِغْفَارُ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْقَلْبِ فِيهِ شَرِكَةٌ، كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَعَنْ رَأْسِ الْغَفْلَةِ: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ» ، وَكَمَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ صِفَةَ النَّارِ: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا» مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَثَّرَ بِهِ قَلْبُهُ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مُجَرَّدِ حَرَكَةِ اللِّسَانِ وَلَا جَدْوَى لَهُ، فَأَمَّا إِذَا انْضَافَ إِلَيْهِ تَضَرُّعُ الْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَابْتِهَالُهُ فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ عَنْ صِدْقِ إِرَادَةٍ وَخُلُوصِ نِيَّةٍ وَرَغْبَةٍ، فَهَذِهِ حَسَنَةٌ فِي نَفْسِهَا فَتَصْلُحُ لِأَنْ تُدْفَعَ بِهَا السَّيِّئَةُ، وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الِاسْتِغْفَارِ حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَلَوْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» ثُمَّ إِنَّ لِلتَّوْبَةِ ثَمَرَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ حَتَّى يَصِيرَ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ.
وَالثَّانِيَةُ: نَيْلُ الدَّرَجَاتِ.
وَلِلتَّكْفِيرِ أَيْضًا دَرَجَاتٌ: فَبَعْضُهُ مَحْوٌ لِأَصْلِ الذَّنْبِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَبَعْضُهُ تَخْفِيفٌ لَهُ، وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ دَرَجَاتِ التَّوْبَةِ، فَالِاسْتِغْفَارُ بِالْقَلْبِ وَالتَّدَارُكُ بِالْحَسَنَاتِ وَإِنْ خَلَا عَنْ حَلِّ عُقْدَةِ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست