responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 284
وَإِنَّ اللَّهَ قَبَضَهُ إِلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فِي لَيْلَتِهِمَا " قَالَ الرَّاوِي: "فَلَقَدْ رَأَيْتُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ سَبْعَةً كُلُّهُمْ قَدْ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ ".
وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الصَّابِرِينَ تَوَجُّعُ الْقَلْبِ وَلَا فَيَضَانُ الْعَيْنِ بِالدَّمْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْبَشَرِيَّةِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا مَاتَ " إبراهيم " وَلَدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ " بَلْ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ أَيْضًا عَنْ مَقَامِ الرِّضَاءِ.
وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِهَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ أَنَّ وُجُوبَ الصَّبْرِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، حَتَّى مَنِ اعْتَزَلَ وَحْدَهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الصَّبْرِ عَلَى وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ بَاطِنًا، فَإِنَّ اخْتِلَاجَ الْخَوَاطِرِ لَا يَسْكُنُ، وَلَا يَزَالُ فِي شُغُلٍ دَائِمٍ بِسَبَبِهَا يَضِيعُ بِهِ الزَّمَانُ، وَقَدْ يَتَفَكَّرُ فِي وُجُوهِ الْحِيَلِ لِقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ.
وَلَا تَظُنَّنَّ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْلُو عَنْهُ قَلْبٌ فَارِغٌ بَلْ هُوَ سَيَّالٌ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَسَيَلَانُهُ مِثْلُ الْهَوَاءِ فِي الْقَدَحِ فَإِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَخْلُوَ الْقَدَحُ عَنِ الْهَوَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْغَلَهُ بِالْمَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَقَدْ طَمِعْتَ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ، بَلْ بِقَدْرِ مَا يَخْلُو مِنَ الْمَاءِ يَدْخُلُ فِيهِ الْهَوَاءُ لَا مَحَالَةَ، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ الْمَشْغُولُ بِفِكْرٍ مُهِمٍّ فِي الدِّينِ يَخْلُو عَنْ جَوَلَانِ الشَّيْطَانِ، وَإِلَّا فَمَنْ غَفَلَ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ فَلَيْسَ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ قَرِينٌ إِلَّا الشَّيْطَانُ، وَلِذَلِكَ قَالَ - تَعَالَى -: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزُّخْرُفِ: 36] وَفِي خَبَرٍ: " إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُبْغِضُ الشَّابَّ الْفَارِغَ " وَهَذَا لِأَنَّ الشَّابَّ إِذَا تَعَطَّلَ عَنْ عَمَلٍ يَشْغَلُ بَاطِنَهُ بِمُبَاحٍ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى دِينِهِ كَانَ ظَاهِرُهُ فَارِغًا، وَلَمْ يَبْقَ قَلْبُهُ فَارِغًا بَلْ يُعَشِّشُ فِيهِ الشَّيْطَانُ وَيَبِيضُ وَيُفَرِّخُ ثُمَّ تَزْدَوِجُ أَفْرَاخُهُ أَيْضًا وَهَكَذَا، وَلِذَا قَالَ " الحلاج " لَمَّا سُئِلَ عَنِ التَّصَوُّفِ: "هِيَ نَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا شَغَلَتْكَ " فَإِذَنْ حَقِيقَةُ الصَّبْرِ وَكَمَالُهُ، الصَّبْرُ عَنْ كُلِّ حَرَكَةٍ مَذْمُومَةٍ، وَحَرَكَةُ الْبَاطِنِ أَوْلَى بِالصَّبْرِ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا صَبْرٌ دَائِمٌ لَا يَقْطَعُهُ إِلَّا الْمَوْتُ، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ التَّوْفِيقِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

دَوَاءُ الصَّبْرِ وَمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَيْهِ
اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ وَوَعَدَ الشِّفَاءَ، فَالصَّبْرُ وَإِنْ كَانَ شَاقًّا أَوْ مُمْتَنِعًا فَتَحْصِيلُهُ مُمْكِنٌ بِمَعْجُونِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّبْرَ عِبَارَةٌ عَنْ مُصَارَعَةِ بَاعِثِ الدِّينِ مَعَ بَاعِثِ الْهَوَى، وَكُلُّ مُصَارِعَيْنِ أَرَدْنَا أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَا طَرِيقَ لَنَا فِيهِ إِلَّا تَقْوِيَةُ مَنْ أَرَدْنَا أَنْ تَكُونَ لَهُ الْيَدُ الْعُلْيَا وَتَضْعِيفُ الْآخَرِ، فَلَزِمَنَا هَهُنَا تَقْوِيَةُ بَاعِثِ الدِّينِ وَتَضْعِيفُ بَاعِثِ الشَّهْوَةِ، فَأَمَّا تَقْوِيَةُ بَاعِثِ الدِّينِ فَإِنَّمَا تَكُونُ بِطَرِيقَيْنِ:

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 284
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست