كمثل رجلٍ في عصابةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فيها مسكٌ، فكلُّهم يعجبُه ريحهُ، وإن ريح الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك» رواه الترمذي وغيرُه. وفي الحديث: «ما أسرَّ عبدٌ سريرة إلا ألبسهُ الله رداءها علانية» .
المعنى الثاني: أنَّ مَنْ عبدَ الله وأطاعه، وطلب رضاه في الدنيا بعملٍ، فنشأ من عمله آثارٌ مكروهةٌ للنفوس في الدنيا، فإن تلك الآثار غيرُ مكروهةٍ عند الله، بل هي مستحبةٌ محبوبةٌ له، وطيِّبةٌ عنده، لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته، فإخبارُه بذلك للعاملين في الدنيا، فيه تَطْييْبٌ لقلوبهم، لئلا يُكره منهم ما وجد في الدنيا. ورد حديثٌ مرسل: «كلُّ شيءٍ ناقصٍ في عرف الناس في الدنيا، إذا انتسب إلى طاعته ورضاهُ، فهو الكاملُ في الحقيقة» .
خلوفُ فم الصائمين أطيبُ من ريح المسك. نوحُ المذنبين على أنفسهم من خشيته أفضلُ من التسبيح، انكسارُ المخبتين لعظمته هو الجبر، ذلُّ الخائفين من سطوته هو العزُّ، جوُع الصائمين لأجله هو الشبع، عطشُهم في طلب مرضاته هو الرِّيُّ، نصبُ المجتهدين في خدمته هو الراحة. لما سُلسِلَتْ الشياطينُ في شهر رمضان وخمدت نيرانُ الشهوات بالصيام انعزل سلطانُ الهوى، وصارت الدولةُ لحاكم العقل، فلم يبق للعاصي عذر.