نام کتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي نویسنده : غلوش، أحمد أحمد جلد : 1 صفحه : 159
ولو عرضنا هذا المنطق على العقل وحده لكان منطقا مسلما، فالعظيم بماله يعطي ويسود، وبجاهه يأمر ويطاع، وبقوته وسطوته يوجه ويسيطر ويحكم.
أما لو عرضناه على منطق النبوة والوحي فإن الأمر يختلف كما قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [1].
إن النبوة رحمة الله تعالى يعطيها لمن اصطفاه واختاره، ولا دخل للعقل فيها؛ لأن العقل محدود التصور، محدود الإدراك، فكيف له أن يتدخل في رحمة الله وعطائه بالرأي والتوزيع والنقد؟!!..
إن العقل يعجز في إدراك شأن صاحبه، ولا يستطيع له أمرا، فأمور الدنيا تجري بقدر الله تعالى، ولا يمكن لإنسان أن يخرج عن هذه القدرة الإلهية.
إن الغنى والفقر، والسعادة والشقاوة، والصحة والمرض، والتيسير والتعسير.. كل ذلك وغيره قدر لا دخل للإنسان فيه.. فأين العقل إذن في هذه المجالات؟!..
إن القدر الإلهي قد يرفع إنسانا ويعطيه، وحينئذ يستخدم كثيرا من العقلاء الموهوبين، ومع أن حظه في العبقرية قليل، مما يدل على أن الأمر بيد الله رب العالمين.
إن العقل البشري قد يتصور العظمة في الأمور الظاهرة، كالغنى والوظيفة والسلطان، وتثبت الأيام والتجارب أن العظمة الحقيقية في الجوانب المعنوية، المستورة التي يعلمها الله تعالى وحده؛ ولذلك كانت النبوة قدرا إلهيا {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} . [1] سورة الزخرف آية 32.
نام کتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي نویسنده : غلوش، أحمد أحمد جلد : 1 صفحه : 159