نام کتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي نویسنده : غلوش، أحمد أحمد جلد : 1 صفحه : 449
ثالثا: تخير المدعوين:
لم يكن التوجه إلى الأفراد يتم مع جميع الأفراد بصورة مطلقة، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتخير من يدعوهم، وهم المتصفون بالهدوء، وقلة الحديث، والتسامح، وحب الخير؛ لأن هؤلاء الأشخاص إن أسلموا لن يجاهروا بإسلامهم، ولن يظهروه لصناديد مكة وشيوخها، ولن يتحدثوا عنه إلا مع أفراد على نمطهم وصفاتهم، وإن لم يسلموا، فالصمت ديدنهم، ولن يحاولوا إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم بالتحدث عنه، والتكلم فيما دعاهم إليه.. ولذلك نرى المسلمين الأُوَل كانوا من أمثال أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، أما عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، فقد تم عرض الإسلام عليهم في مرحلة تالية.
وهكذا بقيت الدعوة منحصرة بين أفراد معينين، ولم يصل إلى أهل مكة إلا معارف قليلة عن الدعوة لا تحرك فيهم ساكنا، ولا تثير غضبهم، ولا تهيج مشاعرهم.
إن هذا التخير والاصطفاء للمدعوين إجراء حكيم قام به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لضمان بداية سليمة وموفقة للدعوة؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم يركز على المعرفة الشخصية "لقابليات" الأفراد من جهة، ومدى استعدادهم للتجاوب مع الدعوة والانخراط في موكبها من جهة أخرى، حتى لا يتسرب إليها من ليس في مستواها، ممن لا يصلحون طليعة قيادية يؤسس عليها صرح الدعوة في هذه المرحلة[1]. [1] سيرة ابن هشام ج1 ص288، 289. رابعا: تجنب ضلالات القوم:
أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويعلم أصحابه العقيدة المطلوبة منهم، مع تجنب الحديث عن آلهة القوم وضلالهم مع الأصنام، لم يذم الآلهة، ولم ينقد عبدتها، وإنما اكتفى بعرض أركان العقيدة، وبيَّن مدى أحقيتها في ذاتها، وأخذ يظهر للناس ما في أنفسهم، وفي الكون من دلالات على وحدانية الله واستحقاقه وحده للعبادة.
والآيات التي نزلت في هذه المرحلة شاهدة على مدى ابتعاد النبي صلى الله عليه وسلم عن نقد ضلالات القوم، والاكتفاء بتربية المسلمين، وتقوية إيمانهم، ومن هذه الآيات: أوائل سورة المزمل، وأوائل سورة القلم، وهي آيات تحدد منهج التربية الإيمانية،
نام کتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي نویسنده : غلوش، أحمد أحمد جلد : 1 صفحه : 449