نام کتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي نویسنده : غلوش، أحمد أحمد جلد : 1 صفحه : 73
ولعل في طلب "باذان" من عامله في ليمن أن يحضر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدائن حيا أو ميتا توضيحا لنوع سطوة كسرى وخضوع الولاة له.
وقد امتاز الفرس بالنشاط وكلفوا بالمدنية، وطلبوا الاستقرار ما وسعتهم الأرض، ومالوا إلى الاشتغال بالفنون والحرف، وأقبلوا على تجارة الحرير في غيرة وجد، وكانوا خلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين يسيرون بقوافل الحرير العظيمة عبر الإمبراطورية الساسانية إلى شرق بلاد الإمبراطورية الرومانية[1]؛ وبسبب ذلك انتشر النشاط الصناعي والزراعي في أنحاء الإمبراطورية، وحقق رخاء ورفاهية في أنحاء الدولة.
وكان المقتضى أن ينتشر العدل بين الرعية تبعا لذلك، إلا أن الوضع أخذ شكلا رهيبا من الطبقية البغيضة، القائمة على النسب والحرف، يصورة صاحب كتاب إيران في عهد الساسانية في إيجاز فيقول: "كان المجتمع الإيراني مؤسسا على أساس النسب والحرف، وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة، لا يقوم عليها جسر، ولا تصل بينها صلة، وكانت الحكومة تحظر على العامة أن يشتري أحد منهم عقارا لأمير أو كبير، وكان من قواعد السياسة الساسانية أن يقتنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولا يستشرف لما فوقه، ولم يكن لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلقه الله لها، وكان ملوك إيران لا يولون وضيعا وظيفة من وظائفهم، وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها عن بعض تميزا واضحا، وكان لكل واحد مركزا محدد في المجتمع"[2].
ولم تقف إهانة الطبقات الدنيا عند حد إبعادها عن الوظائف العامة، بل فرضت عليها الضرائب الباهظة بلا حساب وضبط؛ حيث كانت تختلف عن سنة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر كَمًّا ونوعًا، الأمر الذي ألحق أفدح الأضرار [1] تاريخ بخارى ص45، 46. [2] إيران في عهد الساسانية ص418، 420، 422.
نام کتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي نویسنده : غلوش، أحمد أحمد جلد : 1 صفحه : 73