وابن خلكان في وفيات الأعيان[1] وغيرهما ممن ترجموا لابن إسحاق، يروون أنه وفد على أبي جعفر المنصور، في الحيرة، وذلك قبل أن يتم بناء بغداد وينتقل إليها المنصور -ولقد انتقل المنصور إلى بغداد واتخذها عاصمة لدولته سنة 145هـ- وبينما كان ابن إسحاق عند المنصور، دخل عليه محمد بن المنصور -الذي لقب بالمهدي بعد أن أصبح خليفة بعد وفاة أبيه- فقال المنصور لابن إسحاق؛ أتعرف هذا يا ابن إسحاق؟ قال: نعم؛ هذا ابن أمير المؤمنين. قال: اذهب فصنف له كتابًا منذ خلق الله آدم -عليه السلام- إلى يومنا هذا، فذهب فصنف له هذا الكتاب، فقال المنصور: لقد طولته يا ابن إسحاق، فاذهب فاختصره، فاختصره، فهو هذا الكتاب المختصر، وألقى الكتاب الكبير في خزانة أمير المؤمنين.
معنى هذا أن سيرة ابن هشام التي بين أيدينا، والتي هي تلخيص لسيرة ابن إسحاق الأصلية، هي تلخيص التلخيص، أو مختصر المختصر، وأن الكتاب الأصلي كان كبير الحجم جدًّا ولم يصل إلينا -لسوء الحظ- حتى تلخيص ابن إسحاق الأصلي لم يصل إلينا كاملًا حتى الآن، وإن كنا سمعنا أنهم عثروا عليه مخطوطًا في المملكة المغربية، ولكنهم يتكتمون أمره، وحتى الآن [1] انظر: تاريخ بغداد، ج1، ص220 - ووفيات الأعيان، ج4، ص277.