محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى، وبرز في كلا المستويين: الديني, والدنيوي، وأنه أسس ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام. "وأنه بعد مرور أربعة عشر قرنًا لا زال تأثيره قويًّا ومتجددًا"[1].
وبالقياس نفسه يشهد لمحمد -صلى الله عليه وسلم- المؤرخ العالمي الشهير ول ديورانت فيقول: "وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا: إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو ولهيب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لا يدانيه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله. وقلَّ أن نجد إنسانًا غيره حقق كل ما كان يحلم به، وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدين، ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى, بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين, تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه، فقد لجأ إلى خيالهم وإلى مخاوفهم وآمالهم، وخاطبهم على قدر عقولهم، وكانت بلادُ العرب لما بدأ الدعوة صحراءَ جدباءَ، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان، قليل عددها متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة [1] انظر: الخالدون مائة. تأليف مايكل هارت, ترجمة: أمين منصور ص13.