استشعروا قسوة المقاطعة وفدحها إلى اغتنام هذه الفرصة. فتقلدوا سلاحهم ومشوا مجتمعين إلى باب الشّعب وأعلنوا على رؤوس الاشهاد معارضتهم لعهد المقاطعة. ثم انهم اخرجوا المسلمين من الشّعب وارسلوهم إلى بيوتهم. فلم يؤانس ايما امرئ في نفسه الجرأة على إبداء أيما مقاومة.
وكانت المقاطعة قد استمرّت ثلاث سنوات.
وبعيد مغادرة الشّعب مباشرة، لحق عم النبي ابو طالب، الذي كان حتى تلك اللحظة دعامته وسناده، بالرفيق الأعلى. صحيح انه لم يعتنق الاسلام، ولكن الرسول الكريم كان يكنّ له حبا عميقا.
وهكذا كانت خسارته إياه صدمة قوية له. ولكن المصائب، كما يقولون، نادرا ما تأتي فرادى. فما هي غير فترة يسيرة حتى توفيت أيضا السيدة خديجة، زوجه الأمنية وصديقته الأكثر وفاء وإخلاصا.
كانت طوال عهده بها قد خدمته من صميم فؤادها، وكانت أبدا مصدر سلوان له لا ينضب، في لحظات الحزن والأسى. ولقد مني بوفاتها بخسارة لا تعوّض. وإنما أصيب الرسول بكلتا هاتين الصدمتين في العام العاشر للدعوة، ذلك العام الذي عرف بسبب من ذلك، في التاريخ الاسلامي، ب «عام الحزن» . وبفقدان هذين المعزّيين والنصيرين الكبيرين تعيّن على الرسول الكريم أن يواجه مصاعب أدهى وأمرّ. لقد آذنت وفاتهما باستهلال عهد من البلاء جديد.
فقال زمعة بن الاسود: «أنت أكذب، ما رضينا كتابتها حيث كتبت.» فقال ابو البختري: «صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به.» وقال المطعم ابن عدي: «صدقتما وكذب من قال غير ذلك! نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها.» وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك. فقال ابو جهل: «هذا أمر قضي بليل تشوور فيه بغير هذا المكان، وابو طالب جالس في ناحية المسجد. فقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها فوجد الارضة قد أكلتها إلا فاتحتها «باسمك اللهم» . (المعرب)