بالعدد لم يكن ثمة مجال للمقارنة البتة. وهكذا قذف بالضعف المطلق في وجه القوة الغامرة. ولكن اليد الالهية امتدت لنصرة الضعفاء، نافخة في قلوبهم قوة- قوة غير قوة العدد أو العدّة أو السلاح- فاذا بالقوة الدنيوية تمنى بالهزيمة. وإلى هذه الظاهرة يلفت القرآن الكريم الانتباه في الآية التالية: «قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ.» *
وأحسن المسلمون معاملة أسراهم، فأعجب كثير منهم بنبل الروح الاسلامية. وتذكّر أحدهم، حينما اعتنق الاسلام بعد، حسن المعاملة التي لقيها في الأسر، وحدّث بها معترفا بالجميل. لقد روى قائلا إن الذين عهد اليهم بالعناية بأمره قدّموا اليه خير ما في المنزل من طعام، على حين اجتزأ افراد الاسرة بالرّطب وما اليه يأكلونه. وعلى الرغم من أن حالة الحرب لم تكن قد زالت فقد أعيد الاسرى إلى أهلهم لقاء فدية افتدوهم بها. اما الفقراء الذين لم يجدوا ما يفتدون أنفسهم به فقد أطلق سراحهم من غير فدية. لقد سئل كل من القادرين على القراءة والكتابة ان يعلّم عشرة من أطفال المسلمين، واعتبر هذا الصنيع من جانبهم بمثابة فدية تكفل لهم حريتهم. والحق ان التنازل عن اربعة آلاف درهم كفدية مالية لكل أسير والاستعاضة عنها بتعليم القراءة والكتابة اطفال المسلمين، لينهض دليلا قويا على ما كان للعلم من قيمة في عيني الرسول. إنه لم يعامل العدوّ المهزوم معاملة خشنة البتة. ولقد كانت هي أول فرصة أتيحت للمسلمين، بعد الآلام الطويلة المريرة التي قاسوها على أيدي القرشيين، للانتقام من عدوّهم، لو
(*) السورة 3، الآية 13.