الحرب الأوحد هو التخلص منه. وما هي إلا لحظة حتى أمسى هدف هجمات العدوّ. ولكن صحابته، المتفانين في اخلاصهم له، دافعوا عن حياته الغالية بأرواحهم فصرعوا حوله واحدا إثر واحد. وفي غضون ذلك، قتل مصعب بن عمير، وكانت طلعته شبيهة بطلعة الرسول. فانتشرت انتشار النار في الهشيم شائعة تقول إن الرسول قد قتل. فأوقع ذلك مزيدا من الذعر في صفوف المسلمين التي كان الاضطراب قد دبّ فيها قبل ذلك. واستبدّ الأسى بأحدهم إلى حد جعله عاجزا عن الضرب بسيفه. ودهش مسلم آخر، هو أنس بن النّضر، دهشا عظيما إذ وجده واقفا مكتوف اليدين. حتى إذا سأله عن سبب ذلك أجابه: «وأيّ فائدة ترتجى من القتال بعد أن توفي الرسول؟» فقال أنس: «وما جدوى الحياة إن لم يعد الرسول بيننا؟ فلنقاتل ولنمت على ما مات عليه!» [ثم استقبل القوم فقاتل قتالا شديدا وأبلى بلاء منقطع النظير حتى إنه لم يقتل إلا بعد أن ضرب سبعين ضربة] . وهكذا راح الصحابة يشجع بعضهم بعضا، ويشقّون طريقهم وسط صفوف العدوّ، متحلقين حول قائدهم المحبوب. وكان قد أصيب، آنذاك، بجراح بليغة، وسقط على الأرض [فشجّ في وجهه، وكلمت شفته، ودخلت حلقتان من المغفر الذي يستر به وجهه في وجنته] . واستمات أصدقاؤه المخلصون في الدفاع عنه، منشئين حول شخصه سورا بشريا. وانقضّ العدو بكامل قوته على الرسول. ولكن سور الجنود المسلمين كان أمنع من أن يخترق. فما إن تحدث فيه ثغرة بمصرع واحد منهم حتى. يندفع آخر فيحل محله ويسدّ الثغرة. وسرعان ما استردّ المسلمون رشدهم، بعد الصدمة التي أذهلتهم، ورصّوا صفوفهم، وشدّوا على العدو شدة عنيفة، مقابلين هجمات العدو العنيدة بمثلها. وإلى هذا، فقد كانوا الآن قد ارتدوا إلى موقع تحدّى كل المحاولات لتشتيتهم. وبذل