فاحتجزته قريش لديها. وسرت شائعة تقول إن عثمان قتل. وشرع المسلمون يعتقدون ان قريشا مصممة على القتال. لقد كان الموقف موقفا حرجا. فالمسلمون عزّل من السلاح تقريبا، وعددهم أقلّ من عدد القرشيين بكثير. كانت قريش تتمتع دونهم بكل مظهر من مظاهر التفوق والامتياز. ولكن يا للايمان الراسخ بالرعاية الالهية! فحين أخفقت المفاوضات كلها، وبدا تصميم العدو على سفك الدم، لم يكن لمسلم أن ينقلب على عقبيه. ودعا الرسول أصحابه اليه ليبايعوه من جديد، بالنظر إلى حرج الموقف إلى حدّ بعيد، على القتال حتى آخر رجل فيهم، دفاعا عن الدين. فبايعوه تحت شجرة ما، مجاورة، وملء نفوسهم البشر والابتهاج. وإنما تعرف هذه البيعة، في التاريخ، ب «بيعة الرضوان» . ولقد كانت عملا باسلا من أعمال التضحية بالذات في سبيل الحق، يعزّ نظيره، كما كانت حدثا بارزا في تاريخ الاسلام. وبعد وفاة الرسول، أخذ الناس يكثرون من الاختلاف إلى تلك الشجرة التي أحيت ذكرى ذلك القرار البطوليّ. فلم يكن من عمر، الخليفة الثاني، إلا أن أصدر أمره بقطعها مخافة أن تضفي عليها سلامة النية، آخر الأمر، ضربا من القداسة. إلى هذا الحد انتهت غيرة المسلمين الأولين على مبدأ وحدانية الله. فلم يكن في ميسورهم أن يتسامحوا بكل ما له نكهة كنكهة الوثنية، أيا ما كانت أهميته أو طرافته التاريخية.
وكان في عزم المسلمين على اراقة آخر نقطة من دمهم دفاعا عن دينهم ما ردّ قريشا إلى صوابها. والحق ان تجربتها الماضية نفعتها في هذا المجال. فقد أمسى في ميسورها الآن أن تدرك ما يعنيه مثل هذا القرار يتخذه المسلمون. وكان في امكانها ان تستشف الكارثة العظمى المدّخرة لها إذا ما جدّ الجد، برغم ان المسلمين كانوا عزّلا من السلاح، وكانوا دون عدوّهم عددا. وحملها ضعف معنويّتها هذا