صوّرت لهم. والواقع ان عددا كبيرا منهم أعجبوا بسموّ مثل الرسول العليا وطهارة مسالك أصحابه، فدخلوا في الجماعة الاسلامية. وهكذا تحقق الوحي الالهي الذي أنزل على الرسول في طريق عودته من الحديبية: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.» * لقد محيت جميع الذنوب التي عزاها الحقد اليه، فتكشّفت للقوم، كرة أخرى، شخصيته الفاتنة بكامل الغنى المميّز لجمالها. وقوله تعالى «وما تأخّر» ينطوي أيضا على وعد خاص بالمستقبل. فهذه الكلمات النبوئية تعلن ان كل اتهام ضده، في المستقبل، لن يجاز له أن يصمد؛ لا، إنه سوف يتهافت هو الآخر، كما تهافتت الاتهامات السابقة. وليس على المرء إلا أن يلاحظ التغير اليومي الطارئ على نظرة اوروبة إلى الرسول حتى يدرك صحة هذا الجزء من الآية القرآنية. فالصورة الكاريكاتورية البشعة التي رسمها الاوروبيون له حتى الآن، سواء من طريق الجهل أو التضليل، تخضع اليوم- من ذات نفسها- لتغير ملحوظ. ان اوروبة لتدرك، يوما بعد يوم، نبل شخصيته وصفاءها. ولا بدّ أن يقرّ الناس، عاجلا أو آجلا، إقرارا جماعيا بسمو حياة الرسول، كما تنبأ القرآن. ومثل هذا الاقرار يجب ان يتمّ اليوم، كما تمّ من قبل، في أعقاب سلم شامل. أما وقد أشبع الآن نهم اوروبة إلى التوسع الإقليمي فقد أمسى في ميسور المرء أن يرجو انبثاق عهد من المثالية جديد. ان اتصال اوروبة بالاسلام قد غدا أوثق من ذي قبل، ولقد حان الوقت لأن يؤدي هذا الاتصال إلى تحريرها من فكراتها الخاطئة عن الاسلام، فتدرك، شأن أعداء الرسول قبل ثلاثة عشر قرنا، ان وجه الاسلام الوسيم بريء من أيما وصمة الصقها به الحقد والضغينة. انها قد تدرك، خلال بحثها الحاليّ عن الضياء الذي تفتقده في معتقداتها،
(*) السورة 48، الآية 2.