بعثهم الله الى مختلف الشعوب بين فترة وأخرى كانتا قد تلاشتا بالكلية بسبب من تطاول الاحقاب والازمان. لقد كانت جميع شعوب الارض محرومة، لذلك العهد، من حالة الحضارة الحقيقية. وإنما انبعثت هذه الكلمات من فم رجل كان، من غير ريب، أميا بكل ما في الكلمة من معنى. وهذا الرجل لم تتح له أية فرصة للضرب في أرجاء العالم لكي يدرس أحوال البلدان المختلفة، لا ولم يكن في ميسورة ان يفيد من مثل نظام الإعلام العصري الذي كان خليقا به [لو عرف في تلك الايام] ان يعرّفه إلى حال العالم في ذلك الزمان.
ومع ذلك، فأن نظرة إلى صفحات التاريخ تعزّز صدق ذلك التوكيد على نحو رائع. فباستثناء هذه الواقعة التي تقول بأن اوروبة عرفت امبراطورية جبارة في الجزء الجنوبي الشرقي منها- امبراطورية رومة النصرانية- كانت الديار الاوروبية غارقة في حال من البربرية بالمعنى الحرفي للكلمة. وكانت آسية، من بين القارّات جميعا، هي مهد الحضارة في عهد ما. ولكن أيما دراسة لمختلف البلدان التي تؤلف مهد الفلسفات والاديان هذا لتظهر أن الفسوق المحض كان ههنا، شأنه في أيّ مكان آخر، هو القاعدة الغالبة. والهند، التي كانت ذات يوم مركز الثقافة الشرقية القديمة، تبد هنا بالصورة الرهيبة نفسها.
كانت أشياء شنيعة، وضيعة، شائنة تعزى حتى إلى ما كان الناس يعتبرونهم أنصاف آلهتهم. كان الشرّ قد استبدّ بهم إلى درجة جعلتهم يصوّرون، حتى الأطهار الأعفّة، في ألوان قاتمة. وكانت فارس والصين، أيضا، تترديّان في الحمأة نفسها. ولعل مردّ ذلك إلى ان قرونا متطاولة تقضّت على ظهور آخر الاشخاص الأطهار الصالحين، وان الاصلاح والحضارة القديمين- إذا وجدا- كانا قد ضعفا تدريجيا، وانتهيا آخر الأمر إلى الزوال. يقول القرآن الكريم: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ