بأن يوقدوا النيران في كل معسكر. فخليق بذلك أن يبده قريشا بعظم قوة المسلمين العددية، وهكذا يتجنب محمد مقاومة قريش وما تستتبعه من إراقة دم. واستسلم المكيون من غير مقاومة.
ومن عجب أن أبرز القرشيين الذين مثلوا بين يدي الرسول كان ابا سفيان نفسه، زعيم المعارضة بعد أبي جهل. لقد بذل قصارى جهده، على نحو موصول، لإبادة الإسلام. أجل، لقد أذن لأبي سفيان، أكبر المسيئين للاسلام، في المثول بين يدي الرسول لكي يغفر له! لقد بدا ذلك امرا متعذرا جدا ولكن طبيعة الرسول الرحيمة لم تكن لتميّز بين الصديق والعدو. وهكذا عفا عن ابي سفيان.
لقد بدا- قبل سنة ونصف، عندما دعي إلى بلاط قيصر ليدلي برأيه في شخصية الرسول- وكأن نور الاسلام قد نفذ إلى قلبه. أما الآن، فقد كان في عجزه المطلق برغم قوته كلها، وبانتصار الاسلام النهائي برغم قلة موارده، وفوق ذلك كله في العفو الكريم الذي أسبغه الرسول عليه- كان في هذه الاعتبارات جميعا ما أقنعه بقوة الاسلام الفطرية. إن القلب الذي كان موصدا دون الاسلام طوال عشرين سنة كاملة انشرح الآن للحق، فاعتنق ابو سفيان الدين الجديد.
وراع أبا سفيان جبروت القوة الاسلامية، فانقلب إلى قومه مسرعا لكي ينبئهم بأن كل مقاومة للرسول عبث لا طائل تحته. ونقل اليهم في الوقت نفسه كلمة الرسول: «من دخل دار ابي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.» ولا ريب في ان النقاد الذين يصمون الاسلام بأنه دين انتشر بالسيف سوف يخيب فألهم حين يعلمون ان اعتناق الاسلام لم يشكّل جزآ من شروط هذا الامان. وأخيرا زحف الجيش الاسلامي على